أثار إعلان شركة "ميرسك" العالمية للحاويات، عن تسيير أول رحلة نقل بحرية عن طريق القطب الشمالي خلال الأسبوع الجاري، مخاوف من تأثيرات ذلك على قناة السويس، ومدى إمكانية اتخاذ الطريق الجديد، بديلًا تجاريًا وملاحيًا للقناة المصرية، لا سيما أن المدة التي تقطعها الرحلة عبر الطريق الجديد، توفر 14 يومًا عن الخط الملاحي للقناة. وتختصر ممرات القطب الشمالي، مسافة كبيرة فيما يتعلق بحركة نقل البضائع، فعلى سبيل المثال، تبلغ المسافة بين مينائي يوكوهاما الياباني وروتردام الهولندي، وهو أحد المسارات التجارية بين أوروبا وآسيا، أكثر من 20 ألف كيلومتر عند استخدام طريق قناة السويس، لكن هذه المسافة تنخفض إلى 12 ألف كيلومتر عند استخدام القطب الشمالي. المهندس وائل قدورة، عضو مجلس إدارة قناة السويس السابق، والخبير في النقل البحري، قال إن "الممر الشمالي الغربي المار عبر القطب الشمالي، لن يكون له تأثير على قناة السويس خلال الفترة الحالية، إلا أنه بحلول عام 2035 سيكون له تأثير قوي على القناة". وفي تصريح إلى "المصريون"، أضاف قدروة، أن "الطريق به مشكلات عديدة، تحول دون استخدامه كبديل عن قناة السويس، أبرزها أنه لا يوجد به بنية تحتية جيدة ولا لوجيستية، وبالتالي بحاجة إلى سنين طويلة لتطويره". وأشار إلى أن "تطوير الممر يحتاج إلى مليارات الدولارات، ما دفعهم إلى التفكير خلال الآونة الراهنة إلى التفكير في إنشاء بنك تحت مسمى "بنك القطب الشمالي"، لأن روسيا لن تتمكن وحدها من القيام بذلك"، لافتًا إلى أن "أبرز المشاركين الصين واليابان والنرويج". خبير النقل البحري، لفت إلى أنه "لا توجد خرائط واضحة ودقيقة بشأن الثلج في تلك المنطقة، ما يجعله بعيدًا عن المنافسة، إضافة إلى تحكم روسيا فيها، ما يجعلها تفرض على السفن كاسحات جليد على السفن العابرة، وكذلك مرشد وخرائط، وهي نفقات إضافية على السفن". وقال إن "التأمين على السفن عال جدًا ويصل إلى ثلاث أو أرباع أضعاف ما تفرضه قناة السويس، لكن مع التطور المناخي والتغييرات المناخية قد يحدث أمور تجعلها تنافس وتؤثر على القناة". وذكر أن نحو 57% من السفن المارة من قناة السويس هي سفن حاويات، ولها منظومة محددة، من الصعب أن يوفرها القطب الشمالي. عضو مجلس إدارة قناة السويس السابق، أوضح أن "ممر القطب الشمالي هو أقصر طريق يربط شرق آسيا –كوريا والصين واليابان- بشمال غرب أوربا، إضافة إلى أنه يوفر نحو 40% من المسافة التي يقطعها، عن قناة السويس، ما يترتب عليه توفير كمية هائلة من الوقود التي تستخدمها السفن". وطالب قدورة، المسؤولين في مصر ب "اتخاذ ما يلزم من إجراءات وقرارات؛ لتحتفظ القناة المصرية بعالميتها، وكذلك بالمزايا التي تختص بها عن أي ممر أخر"، مشيرًا إلى أن هناك متغيرات كثيرة لابد من وضعها في الاعتبار. من جهته، قال هاني النادي، رئيس قطاع العلاقات العامة والحكومية بشركة قناة السويس للحاويات، إنه "من الصعب اتخاذ القطب الشمالي بديلًا تجاريًا لقناة السويس حاليًا ولمدة 20 سنة قادمة". وأضاف عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "طريق بحر الشمال أو الطريق البحري الشمالي يعرف باسم الممر الشمالي الشرقش قبل بداية القرن 20، ولا يزال يسمى بهذا الاسم أحيانًا، ويمكن الإبحار من خلاله في مياه القطب الشمالي الخالية من الجليد لمدة شهرين فقط في السنة". وأكمل: "طريق بحر الشمال أو الطريق البحري الشمالي وهو ممر شحن بحري من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ على طول ساحل القطب الشمالي الروسي من بحر بارنتس، بمحاذاة سيبيريا، إلى الشرق الأقصى". وأشار إلى أن "إبحار أي سفينة عبر هذا الطريق حاليًا يتطلب أن ترافقها كاسحة جليد نووية باهظة التكلفة"، لافتًا إلى أنه بحسب تقرير صدر عام 2016 عن مدرسة "كوبنهاجن للأعمال"، سيصبح الشحن عبر خط البحر الشمالي أقل كلفة في عام 2040 تقريبًا بشرط استمرار الغطاء الجليدي في التلاشي بنفس النسب الحالية. وأوضح أن السفينة "فينتا ميرسك"، المصممة لتكون سفينة شحن كاسحة للجليد، تحمل الأسماك المجمدة وغيرها من الأطعمة المبردة، إضافة إلى حمولات أخرى من زيوت ومواد تشغيلية تكلفتها أعلى بكثير من مثيلاتها التي تسلك مسارات الشحن العادية. مدير العلاقات العامة بشركة قناة السويس للحاويات، أشار إلى أن مسئولي شركة "ميرسك"، ذاتها أكدوا أن الشركة لا تعتبر الخط البحري الشمالي بديلًا تجاريًا لشبكتها البحرية الحالية، التي تقررها اعتمادًا على طلب الزبائن والنمط التجاري الشائع ومراكز الكثافة السكانية. وأضاف، أن "الممر الملاحي الشمالي، لا يمثل أي جدوى اقتصادية حاليًا ولمدة 20 سنة قادمة، وأن شركة "ميرسك" أو الشركات الملاحية الأخرى التي تعبر سفن لها عن طريق هذا الممر، تجرب هذا الخط كتجربة ملاحية فقط وليس للاستخدام الدائم. وعن الأسباب الأخرى التي تجعل من الصعوبة استخدام هذا الممر الملاحي، أشار إلى ضرورة أن تكون السفن الراغبة في العبور من هذا الممر مجهزة بتجهيزات باهظة الثمن، وسيتبع تلك التجهيزات تكلفة أكثر في الوقود، مؤكدًا أنه يجب مرافقة السفن بكاسحة ثلجية باهظة التكاليف، علاوة على ذلك، لا يمر هذا الطريق بالموانئ العالمية الهامة، مثل موانئ جنوب شرق آسيا، مرورا بجبل على بالإمارات أحد أهم موانئ الخليج ومركزها اللوجيستى وتابع: "لا يمر طريق البحر الشمالي أيضًا بالموانئ المصرية الرئيسية بالبحر الأحمر مرورًا بقناة السويس ووصولًا للموانئ جنوب وشرق البحر المتوسط، والتي لا تحتاج السفن أي تجهيزات أو ترتيبات خاصة للمرور بها، كما أن تلك الموانئ متاحة على مدار أشهر العام وتلبى الاحتياجات المختلفة، خلاف القطب الشمالي والمتاح شهرين فقط في السنة". وتحمل السفينة "فينتا ميرسك"، أسماكًا روسية وإلكترونيات كورية، ويُنتظر أن تغادر ميناء بوسان في كوريا الجنوبية بحلول ا?ول من سبتمبر المقبل لتعبر مضيق بيرنج الفاصل بين الولاياتالمتحدةوروسيا، وتنتهي رحلتها في ميناء سان بطرسبرج الروسي بنهاية سبتمبر. ومن المفترض أن تقوم السفينة أثناء رحلتها بجمع بيانات علمية. من جانبه، علق الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، على قرار الشركة الدنماركية العملاقة بأنه لا بديل عن قناة السويس كممر بحري رئيسي، مؤكدًا أن قناة السويس تمثل الأم للممرات البحرية على مستوى العالم، وأنها الأصلح للملاحة من أي خطوط أخرى وليس هناك ممر بديل عنها. وأضاف مميش، في تصريحات له، أن خط القطب الشمالي غير صالح للملاحة، ولا يستطيع أي خط ملاحي توقيف رحلاته 6 أشهر، لاختبار الخط الجديد، موضحًا أن قناة السويس الجديدة اختصرت زمن حركة الملاحة البحرية بنسبة 50%.