إذا كنت تشعر باستغراب نتيجة الحملات الإعلامية المكثفة ضد الرئيس )مرسى(، والتى بدأت مبكرًا حتى قبل وصوله لكرسى الرئاسة، أو كنت تعتبر أن الحالة المصرية هى حالة شاذة من خلال هذا الصخب والاشتباكات السياسية، التى نعيشها يوميًا، فلتتابع معى المقال حتى نهايته.. لنتعرف على تجربة قريبة الشبه منا، بطلها حزب ذو جذور إسلامية، يمسك بزمام السلطة، ويواجه ظروفًا مشابهة للواقع المصرى. بطل المشهد هو حزب العدالة والتنمية، الذى يقود تركيا منذ أكثر من عشر سنوات، ويتحرك بها من نجاح إلى آخر، وهو ما كان سببًا فى أن يمنحه الشعب ثقته لثلاث دورات انتخابية متتالية، وبمرور الوقت أصبح الحزب هو المسيطر على الأغلبية البرلمانية، وهو الذى يقوم بتشكيل الحكومة منفردًا، كما تقلد الرجل الثانى فى الحزب (عبد الله جول) منصب رئيس الدولة، وبالرغم من الحجم الهائل للإنجازات التى تلمسها بوضوح منذ أن تطئ قدمك أرض تركيا، إلا أن ذلك لم يشفع للحزب عند وسائل الإعلام التى يسيطر عليها العلمانيون بوضوح، فأغلب الصحف والفضائيات دائمًا ما تقلل من إنجازات حزب العدالة والتنمية، وتركز على السلبيات، وتمتلئ الفضائيات بأصحاب الصوت العالى، الذين ينددون بالبرجوازية الإسلامية، التى ظهرت فى تركيا من خلال (أردوغان) وأنصاره، فهم متهمون بأن ثراءهم يزداد يومًا بعد آخر، فى الوقت الذى ينتشر فيه الفقر بين أوساط الشعب التركى، ولكن الجميل أن الحزب اعتاد على العمل فى هذا المناخ منذ أن تقلد (أردوغان) منصبه الحكومى الأول كرئيس لبلدية اسطنبول فى العام 1994، وحينها شن الإعلام حملة قذرة ضده، ولا يزال التاريخ يذكر أن العنوان الرئيس للصحافة فى اليوم التالى لانتخابه كان يسخر منه: (سنرى كيف يحل "أردوغان" مشكلة انقطاع مياه اسطنبول باستخدام دعاء المطر)، واعتبرت الصحافة أن كل اهتمامات (أردوغان) هى إغلاق المطاعم والحانات، وأنه سيخير العاملات فى البلدية بين الحجاب أو ترك العمل، كما زعمت الصحف أنه قام العديد من الرجال الملتحين بمنع الفتيات الشابات من ركوب الترام. ولكن المهم فى تجربة (أردوغان) هو قراره الأول الذى أعلنه لكل مساعديه فى ذلك الحين: (هل أتينا هنا لنعمل أم لنستمع لهذه الشائعات؟ من يهدر وقته فى الاستماع للشائعات فسيظل فى مكانه، أما نحن فسنهتم بعملنا، ما يهمنا.. أن تختفى جبال القمامة من اسطنبول، وأن تنساب من الصنابير المياه النظيفة وليس الصدأ)، وحتى حينما نجح أردوغان فى حل مشكلة المياه والقمامة؛ استمرت الحملة الشرسة ضده، وكتبت الصحف كذبًا: (اسطنبول تعيش أسوأ أيامها من حيث انقطاع المياه بها، وفى خلال مائة يوم لم تر المدينة الماء سوى 35 يومًا فقط، والأكثر من ذلك.. هو رفض أردوغان لموضوع المطر الصناعى بحجة أنه يخل بالنظم الطبيعية). إذا أردت أن تعرف لماذا اتخذت الصحافة هذا الموقف العدائى من (أردوغان)؟ لدرجة أن الكتاب والصحفيين الذين لم يخاطبوا من قبل أى رئيس بلدية باسمه المجرد دون لقب، نجدهم يستخدمون مع (أردوغان) صفات مثل (طيب)، أو (طيب أفندى)، وذلك للتقليل من شأنه، ستجد الإجابة على لسان أحد الكتاب الأتراك المنصفين، وهو (محمد دوغان)، الذى أعلن صراحة أن الصحافة كانت تمتدح البلديات والمسئولين فى الفترة السابقة، وكانت فى علاقة جيدة معها، لأنها كانت تقدم للصحفيين امتيازات مالية وعينية كثيرة، أما الآن فقد انغلق الصنبور، الذى كان مفتوحًا من قبل، ومن الطبيعى أن ذلك يثير استياء من اعتادوا عليه، هل عرفت السر الآن؟ المائة يوم الأولى من تولى أردوغان المسئولية، ووعوده التى قطعها على نفسه خلالها، نجاحاته وإخفاقاته، هى موضوع مقال الأسبوع القادم إن شاء الله. [email protected]