كان اختيار اسم وزير الثقافة فى حكومة الدكتور قنديل معركة من العيار الثقيل إذ إنه من المعروف أن الوزارة مختطفة منذ عقود خلت لصالح تيارات وجماعات سياسية وأيديولوجية متخاصمة مع عقيدة الأمة وإرثها الحضارى وعادية لكل ما له صلة بدين الإسلام وقد وجدت هذه التيارات بغيتها فى نظام مبارك الفاسد الذى سلمها وزارة الثقافة تسليم مفتاح كما يقال مقابل أن تقف فى خندقه فى قمعه للحريات وإهداره لكرامة المواطن المصرى وإذلاله لشعب بأسره، وقد لعبت هذه التيارات دورًا كبيرًا فى إفساد الحياة الثقافية ووأد الحركة الإبداعية الحقيقية بعد أن تحولت الثقافة لديهم إلى "سبوبة" ظلت حصرية على أعضاء "الحظيرة" التى شيدها وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى لتدجين هذه الأصوات والسيطرة عليها وهو ما تم بنجاح يحسد عليه فاروق حسنى. لذا لم يكن من السهل أبدًا أن تتخلى هذه العناصر عن وزارة الثقافة والجميع يذكر الحملة الشرسة التى شنوها على المهندس محمد عبد المنعم الصاوى وكانت تهمة الرجل من وجهة نظرهم أنه شخص يؤدى الصلوات الخمس وذات مرة منع عرضًا مسرحيًا فى ساقية الصاوى بسبب احتواء العرض على تهجم على الذات الإلهية، وظل اختيار وزير الثقافة هو "أم المعارك" لخريجى الحظيرة الثقافية وقد تجددت هذه المعارك مع مشاورات تشكيل حكومة د/قنديل خاصة بعد استقباله للدكتور أسامة أبو طالب الذى بدا وكأنه المرشح الأوحد لمنصب الوزير وهنا بدأت الحرب غير الأخلاقية التى شنتها "الشلة" على الرجل ودارت الماكينة الإعلامية متهمة الرجل بأنه "إخوانى" وفى رواية حظائرية أخرى أنه سلفى متشدد وأنه قام بتحطيم التماثيل إلى غير ذلك من الإشاعات التى تستهدف حرق الرجل فى أسرع وقت قبل تكليفه بالوزارة حيث إنه خارج عن طاعة اليسار الثقافى وغير مساهم فى مشروعهم التخريبى ضد الأمة وعقيدتها. فعن أسباب رفض اعتبر حاتم حافظ - الأستاذ بأكاديمية الفنون – فى تصريح له على بوابة الأهرام: " أبو طالب الذى كان أستاذًا له، مثقفًا كبيرًا وموسوعيًا وأكاديميًا بالمعنى الدقيق، لكنه لا يرى فيه الاختيار الأنسب أو الأوفق بسبب كونه ابن أحد قيادات الإخوان ولكونه مدعومًا من تيار هوية الإسلامى، وأحد كتاب جريدة الحرية والعدالة. " وهكذا فرغم كفاءة أبو طالب المهنية التى يعترف بها حافظ إلا أن أسباب رفضه له يمكننا تلخيصها فى عبارة موجزة وهى علاقة أبو طالب الإيجابية بدينه وعقيدته والمفارقة العجيبة أن ذات القوى التى تمارس الفرز على أساس فكرى وأيديولوجى هى التى تملأ الدنيا صراخًا خوفًا من "أخونة " الدولة أليست مفارقة جديرة بالتأمل؟!! وقد تابعت حتى وقت متأخر من ليلة إعلان التشكيل الوزارى مجريات المعركة مع الصديق المبدع الشاعر ياسر أنور أحد الأصوات الشعرية الواعدة والذى استطاع أن يحصد أرفع الجوائز الثقافية فى الوطن العربى دون أن يجد التكريم اللائق به من وزارة اليسار المصرى (الثقافة سابقًا ) وقال لى ياسر – باعتباره صوتًا مهمًا داخل تيار هوية الثقافى – إن الحملة مستعرة ضد د/ أبو طالب رغم أن الرجل قيمة ثقافية رفيعة وكان أحد الكوادر داخل الوزارة لسنوات طويلة كما ذكر ياسر لى أن تلك الحملة بدأت للأسف تجد لها صدى لدى د/ قنديل الذى يبدو أنه لم يشأ أن يعرض نفسه للقصف العنيف من عناصر "الحظيرة"، خاصة أن لهم سطوة إعلامية هائلة تمكنهم من تدمير الرجل لدى الشارع المصرى لذا بدأ قنديل فى الاتصال بعناصر أخرى تحظى بالرضا لدى "الشلة" فكان التفضيل بين أحمد مجاهد ود/ صابر عرب وأظن أن التردد ظل حتى صباح يوم الإعلان عن التشكيل والذى حسم لصالح عرب كما هو معروف ليبقى التساؤل قائمًا ونتمنى أن نسمع له إجابة شافية لماذا استجاب رئيس الوزراء لضغوط هذه الأقلية؟ وهل يمكن للدكتور عرب أن يعيد وزارة الثقافة إلى مسارها الصحيح بعد عقود طويلة من الاستيلاء عليها وتخريبها؟ [email protected]