مقولة سقراط "ياهذا تكلم حتى أراك"، وجدتها تنطبق ظهر الخميس الماضى على الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء الجديد، فقد تكلم فى مؤتمر صحفى قبل أن تحلف حكومته اليمين القانونية. وعندما تكلم رأيت جانبا من شخصيته ونمط تفكيره بشكل واضح. هى أول مرة أستمع فيها إليه، ولم أقرأ له شيئًا من قبل، وليس لى معرفة بمعظم وزراء ما بعد الثورة، فليس لهم إنجازات بارزة ترفع أسماءهم عاليًا بسبب الظروف التى تمر بها البلاد منذ ثورة 25 يناير، ويمكن اعتبار حكومتى عصام شرف وكمال الجنزورى كانتا لتسيير الأعمال يومًا بيوم، والآن نحن على موعد مع هشام قنديل لصنع تاريخ جديد لمصر كما قال بنفسه، وأظن أنه متفائل جدًا، إلا إذا تضامن معه المصريون شعبا وأحزابًا وجماعات سياسية بإخلاص وصدق وليس بالنفاق والكذب لجعل التفاؤل واقعًا. انتقدت فى مقالين سابقين تأخر مرسى فى تكليف من يشكل الحكومة، وقد نظرت إلى اختيار قنديل لهذه المهمة العويصة بشىء من القلق ليس لصغر السن إنما بسبب الخبرة التى تصورت أنها أقل مما يجب عنده لكنى عندما استمعت إليه وجدته صاحب عقل راجح منظم ومتحدث جيد وعباراته واضحة وسهلة وسلسلة ولمحت التفكير العلمى المنهجى فى كلامه من خلال عرضه لخطة عمل حكومته وفى ردوده على أسئلة الصحفيين، وهو لم يهمل سؤالاً ولم ينسَ الإجابة عن سؤال وكان صريحًا وهذا يعنى أنه حاضر الذهن ولديه سرعة بديهة. نحن أمام رئيس وزراء فى الخمسين من عمره وهو أصغر من تقلد هذا المنصب فى مصر وهى ميزة وليست عيبًا لأننا نطالب دومًا بإسناد المناصب للشباب وليس العجائز وهو فى هذه السن سيكون أكثر نشاطًا وقدرة على العمل ساعات طوال تحت ضغط. من سيرته الذاتية نجد قنديل متفوقًا دراسيًا وعلميًا وحاصلاً على شهادته الجامعية فى الهندسة بامتياز وعمل الماجستير والدكتوراه بتفوق كما أنه ناجح فى حياته العملية داخل وزارة الرى وفى الهيئات الدولية التى عمل فيها ومثل هذه النوعية من البشر لا ترضى عن النجاح بديلاً وأتصور أنه سيقاتل لكى ينجز ويتغلب على الصعاب ويقفز فوق التحديات التى تحدث عنها فى كلمته القصيرة. كما أن رأس السلطة التنفيذية الدكتور محمد مرسى لديه الإصرار على العمل والنجاح بأى ثمن لأن هذا هو التحدى السياسى والشخصى أمامه ولا بديل عن الإنجاز لأن مستقبل الإسلاميين فى السلطة مرهون بتجربته فى الرئاسة خصوصًا بعد تجربة البرلمان الذى تعرض للحل سريعًا قبل أن يحقق الإسلاميون فيه شيئًا كثيرًا، وهذا البرلمان تعرض لأكبر عملية تشويه فى تاريخ البرلمانات بمصر رغم أنه الأول المنتخب بنزاهة حقيقية، لكن خصوم الإسلاميين وفلول النظام السابق فوجئوا بالاكتساح الإسلامى فأخذهم الخوف لأنهم لم يتعودوا على نتائج الانتخابات الحرة، ولأنهم ليسوا ديمقراطيين حقًا فتحالفوا لإسقاط البرلمان إعلاميًا وشعبيًا ومعنويًا ليأتى الحكم العاجل من الدستورية والذى تحوطه شبهات التسييس ليحقق غايتهم ببطلانه وحله، لكن مع ذلك لا ننفى أن أداء بعض النواب قدم مبررًا لتلك الحملة. مرسى - قنديل، هما طرفا السلطة التنفيذية الآن، والاثنان على المحك، وعليهما مواصلة الليل بالنهار لمحاصرة الأزمات وحلها شيئًا فشيئًا، لكن لابد من الحزم والحسم مع المرونة دون أن يقطعا تلك الشعرة الرفيعة جدًا بينهما كسلطة تنفيذية وبين القوى المتربصة بهما، وتلك القوى ليست الأحزاب والكيانات - وكثير منها كرتونى -، وليست النخبة - وبعضهم فاشل وعاجز - فقط، بل الأخطر هى القوى والأجهزة المختبئة فى ظلام دهاليز الدولة العميقة التى لا تريد لتجربة الإسلاميين أن تنجح ولا تريد لتجربة التغيير الثورى أن تنجح أيضًا. الهدف مزدوج وهو ضرب الإسلاميين القوة السياسية الشعبية المنظمة، وضرب الثورة فى نفس اللحظة. سنتابع أداء الحكومة بصبر وتفهم لحجم الأزمات التى تحيط بها، وسنتعامل معها بانفتاح وبأمل فى عبور أصعب فترة فى تاريخ مصر الحديث. [email protected]