نفسيون: هوس السرقة اضطراب يسيطر على الدوافع قانونى: لا يعاقب على جريمته.. وحال التأكد من حالته يحال للعلاج يقتل 40 شخصًا على مدار 9 أعوام بدافع المتعة واللذة "الجرائم ترتكب لأسباب معلومة".. هكذا عهدنا الجرائم حال ارتكابها من قبل أى شخص، فهناك دافع فى الغالب يسحب الفاعل لجريمته فالفقر والاحتياج وسهولة الحصول على المبتغى من دوافع للسرقة، والكره والضغينة والخلافات دوافع للقتل، ولكن هناك نوع آخر من الجرائم التى ترتكب تحت مسمى المرض النفسى، بدون دافع أو سبب ولكن لأجل متعة أو حب امتلاك. فى الفترة الأخيرة، وبالتحديد فى شهر مارس من العام الماضى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى واقعة شهيرة وهى حبس شخص على ذمة اتهامه بسرقة قطعة شيكولاتة، أراد تقديمها لابنه لأنه لا يملك ثمنها. الخبر انتشر على المواقع والروابط بين الأشخاص كالنار فى الهشيم، وكانت ردود الأفعال ما بين مشفق على الشخص وبين لاعن على الحياة والظروف التى أوصلت هذا الشخص لسرقة شيكولاتة، بينما نال آخرون من المحل الشهير الذى سلم الرجل للنيابة والشرطة. إلا أنه بالتحرى عن الموقف والإطلاع على تفاصيل الواقعة من قبل النيابة العامة، ومن أقوال المتهم بنفسه أمامها تبين عدم وجود ما نشر بأن الشخص سرق قطعة الشيكولاتة من أجل ابنه، وكشفت التحقيقات أيضًا أن زوجة المتهم انفصلت عنه منذ فترة وأن ولديه يعيشان مع والدتهما والمتهم ميسور الحال. وجهت النيابة خلال التحقيق سؤالاً مباشرًا للمتهم هل سرقت الشيكولاتة من أجل ابنك؟ فأجاب بالنفى القاطع، وأنه يملك مبالغ مالية تغنيه عن سرقة الشيكولاتة، إلا أن كاميرات المراقبة أظهرت المتهم وهو بالفعل يسرق الشيكولاتة، وانتهت النيابة بإحالة المتهم للمحكمة مع توصية بعرضه على الطب النفسى بعدما رأت أن المتهم "سرق بسبب مرض نفسى" وليس من أجل السرقة كجريمة. فالجريمة هى السرقة، ولكن دون دافع، بل كان هناك سبب خفى وراء تلك الجريمة، وهى حب الامتلاك أو الحصول على الأشياء بالطرق الخفية على الرغم من انخفاض سعرها وعدم تحقيق المسروق شيئًا كبيرًا بالنسبة للسارق، إلا أنه اعتاد على تلك الأفعال لإشباع هوس داخلى يدفعه للسرقة. مرض السرقة، أو الكليبتومانيا، هو عدم القدرة على التوقف عن السرقة، لكسب منافع غير شرعية، بغية الحصول على الإثارة الفورية واللذة الآنية، بحسب أطباء علم نفس، فيتغذى هذا الاضطراب النفسى من النزوة الجامحة بالقيام بشىء «خطر» ومثير، وهو لا يهدف إلى الربح المادى ولا ينبع من عوز أو حاجة لذلك، ولا يمكن القول إن الشخص المريض هو سارق، وإنما يعانى من حالة نفسية اضطرابية، تتمثّل فى عدم القدرة على مراقبة النزوات والسيطرة على الرغبات الجامحة Impulse control Disorder . هذا الهوس بالسرقة شبيه إلى حد ما بحالات الإدمان او المقامرة أو الشراهة فى الأكل، بحيث يرتفع مستوى الأدرينالين فى الجسم إثر القيام بالعمل، ليشعر المرء بحالة من اللذة الفورية والنشوة العارمة. الطب النفسى: السارق يعد مريضًا نفسيًا الدكتورة هبة عيسوى، أستاذ أمراض الطب النفسى بجامعة عين شمس، تقول إن هوس السرقة يعد مرضًا نفسيًا يندرج تحت قائمة الاضطرابات المسيطرة على الدوافع، وقد يسرق المريض أشياء لا يكون بحاجة إليها ولديه المقدرة المادية التى تجعله يشترى كل ما يريد، لأنه يرى متعة ورضًا وارتياحًا بعد قيامه بالسرقة. وتضيف عيسوى، أن الأسباب التى تدفع المريض للتمسك بالسرقة مختلفة أهمها بيولوجية واضطراب فى كيمياء الدماغ، وكذلك هناك أسباب اجتماعية أهمها انهيار العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، واضطرابات أخرى تتعلق بالشخصية، مشيرة إلى أن السرقات قد تصل إلى أكثر من مائة مرة بالشهر الواحد، وغالبًا ما تكون بأماكن عامة كمحال تجارية. وتشير أستاذ أمراض الطب النفسى، ؟إلى أن نسبة الإصابة بهذا المرض ترتفع لدى الأشخاص الذين يعانون من تقلبات المزاج أو القلق واضطرابات الأكل والاكتئاب، ويشعر مرضى "هوس السرقة" بالسعادة البالغة أثناء السرقة، ومع عدم اكتشاف السارق ومرور القليل من الوقت تنعكس هذه المشاعر لتتحول إلى إحساس بالذنب والخزى والعار. ولخص علماء النفس، أعراض مرض السرقة والهوس، بالعجز عن مقاومة الإلحاح القوى الدافع لسرقة الأشياء التى لا يحتاجها المرء، والشعور بزيادة التوتر أو القلق أو الإثارة التى تدفع إلى السرقة، وبالسعادة أو الارتياح أو الرضا أثناء السرقة، وبالذنب الشديد أو الندم أو احتقار الذات أو العار أو خوف الاعتقال بعد ارتكاب السرقة، وعودة حالات الإلحاح وتكرار دورة هوس السرقة. ووصف علماء النفس، الأشخاص المصابين بهوس السرقة، بعدة سمات من بينها أنهم لا يسرقون قهرًا للكسب الشخصى ولا جرأة ولا تمردًا، ولكنهم يسرقون لأنهم يتعرضون لحالة من الإلحاح القوى الذى يعجزون عن مقاومته، وبصفة عامة، إن نوبات هوس السرقة تحدث تلقائياً ودون تخطيط عادة ودون مساعدة شخص آخر ولا التعاون معه، وإن معظم المصابين بهوس السرقة يسرقون من الأماكن العامة، مثل المتاجر الكبيرة والمجمعات التجارية، وبعضهم قد يسرق أصدقاءه أو أقاربه مثل سرقتهم أثناء إحدى الحفلات، وغالبًا ما تكون الأشياء المسروقة عديمة القيمة بالنسبة للمريض بهوس السرقة، بل إن السارق يستطيع تحمل ثمن شرائها، وفى العادة، يخبئ السارق المسروقات فى مكان آمن دون أن يستعملها مطلقاً، بل قد يتبرع بالمسروقات أو يمنحها لبعض أفراد الأسرة أو الأصدقاء أو قد يردها سراً إلى المكان الذى سرقها منه، وقد تطرأ حالات الإلحاح التى تحمل المرء على السرقة وتتلاشى، أو قد تحدث بشدة زائدة أو منخفضة عبر الوقت. القتل من أجل المتعة واللذة الأمر تطور فى مختلف الجرائم ووصل لحالات قتل من أجل المتعة واللذة فقط، فكم من جريمة قتل شهدتها المحاكم بدون دافع، فقط ارتكبها صاحبها من أجل المتعة واللذة وإرضاء شعور داخلى، ففى 2014 الماضى، هزت اعترافات البرازيلى ايلسون جوزيه داس جارسيا، صاحب ال26 عامًا أمام الصحفيين بأنه قتل 40 شخصًا على مدار ال9 أعوام بينهم 37 امرأة وطفلاً و3 رجال، قبل القبض عليه بدافع المتعة واللذة فقط دون هدف أو وجود أدنى عداوة بينهم وبينه. قانونى: لا يعاقبون أمام المحاكم أكد أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، أن المرضى النفسيين والذين يتسببون بارتكاب جرائم سواء سرقة أو قتل، لا يعاقبون أمام المحاكم حال ثبوت إصابتهم بالمرض النفسى وعدم قدرتهم على التحكم بالذات أثناء ارتكاب الجريمة. وأوضح مهران، أن الأصل فى ارتكاب الجرائم هو أن كل جريمة تقوم على ركنين ركن مادى وآخر معنوى، المعنوى يتمثل فى عنصرين أساسيين العلم والإرادة، أما عن العلم فمعناه علم المتهم بحقيقة ماهية السلوك الإجرامى والعنصر الثانى الإرادة معناه أن تتجه إرادة المتهم إلى ارتكاب الجريمة المنتظرة من هذا السلوك. وتابع مهران: أما عن الشخص المريض النفسى، فهو الذى لا يستطيع تقييم سلوكه الإجرامى للوقوف على حقيقة هذا السلوك وتحقق العلم اليقينى لديه من أن سلوكه يشكل جريمة، وحيث إن المريض النفسى تنعدم لديه الإرادة ويكون المرض سببًا فى سلب الإرادة ليتصرف بشكل غير إرادى فى إتيان السلوك المجرم أو المؤثم قانونيًا لما كان ذلك فإن انعدام العلم والإرادة تنتفى معه أركان الجريمة وهو ما يعرف فى القانون بموانع المسئولية الجنائية، التى يترتب عليها عدم مساءلة الشخص جنائيًا وعدم جواز معاقبته. وتتجه المحكمة فى هذا الأمر، لإحالة المتهم لطبيب متخصص لإعداد تقرير طبى مهنى بشأن حالته الصحية بشكل كامل، وإذا ما جاء التقرير مؤكدًا لفقده العقل أثناء ارتكاب الجريمة، تأكد للمحكمة انعدام الإرادة فيكون قرار المحكمة إيداعه إحدى المصحات النفسية لتلقى العلاج.