هذه المرة اتفقت كل القوى السياسية على مقومات تشكيل «الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور»، وشهد على ذلك المجلس العسكرى الحاكم، لكن فريقًا شذَّ وفاجأ المصريين بانسحابه من عملية تشكيل الهيئة، والحمد لله فقد شهدت الأحزاب غير الإسلامية بأن هؤلاء هم الذين نقضوا الاتفاق معرقلين بتصرفهم تشكيل «الهيئة»! والأمر عندى هنا لا ينحصر فى «الهيئة» ولا فى «الدستور» ولا فى الاتفاقات والوفاء بها، وإنما بيت القصيد عند هؤلاء المنسحبين هو إبقاء مصر فى الدوَّامة حتى تصاب بالدوار وتسقط؛ فيلتقطها تلامذة «ماركس» المفلسون، أو رجال أمريكا والصهاينة المتربصون.. كيف ذلك؟! توقفْ معى أمام خريطة المنسحبين لنتذكر نبذة سريعة عن أفكارهم ومعتقداتهم ومواقفهم وتطلعاتهم. لنكتشف أن كتلة شديدة السواد تلفهم، ويقودها تيار يسارى بقيادة «رفعت السعيد»، و«أبو العز الحريرى» (لا أريد أن أقول إنهما شيوعيان حتى لا يظنا أننى أكفرهما)، وفريق آخر بقيادة «نجيب ساويرس» وبقية رجال أمريكا الأوفياء.. وأنا هنا أسأل أى متابع للشأن السياسى فى مصر أن يدلنى على موقف واحد ل«رفعت السعيد» و«نجيب ساويرس» اصطف فيه الرجلان مع الإجماع الوطنى قبل ثورة 25 يناير أو بعدها، فقد دار الرجلان والكتل التى يمثلانها حيث دارت رحى الحرب على الإسلام، وتحرك الرجلان حيث يمَّمت «قوة» البغى الغاشمة للقضاء على التيار الإسلامى، ويبذلان الغالى والرخيص لمصادرة قرار الشعب من خلال صناديق الانتخابات المنحاز لهوية مصر الإسلامية؛ وبالتالى يستميتان فى منع الأغلبية وهى إسلامية من نيل حقها وممارسة صلاحيتها، ويعملان بكل الأدوات الرخيصة والرديئة لخطف صنع القرار فى مصر ودمغه وإنتاجه وفق ما تصور لهما معتقداتهما الفاسدة.. هذا هو بيت القصيد، ولذلك يسعيان لسحب كل من يشبههما ويتوافق معهما من الأحزاب التى وقّعت الاتفاق. لا أتجنى على «رفعت السعيد» و«ساويرس»، فتاريخهما ومواقفهما تنطق بأكثر مما يجب قوله، ف«رفعت السعيد» معروف أنه قاد حزبه فى الفترة السابقة للثورة ليكون ذيلاً تابعاً ل«الحزب الوطنى»، حتى أن أحد قيادته أعلن وهو يستقيل منه أن «حزب التجمع أصبح لجنة من لجان الحزب الوطنى»، ومعروف أن «مبارك» أنعم على «رفعت السعيد» بالتعيين فى آخر مجلس شورى قبل الثورة، ومعروف أيضاً أن «رفعت السعيد» كان يقف فى خندق «الحزب الوطنى» ونظام «مبارك» خلال حربه الواسعة ضد التيار الإسلامى، بل كان يحرض على اجتثاث هذا التيار انتصاراً لفكره اليسارى المتطرف، وبعد نجاح ثورة 25 يناير شاهدناه يجلس فى مقدمة الصفوف كحزب معارض(!!) ضمن الأحزاب خلال لقاءاتها مع المجلس العسكرى، ولم يخرج مرة واحدة لينصف الثورة، وبالطبع فقد كانت كل إطلالته على الإعلام طعناً فى البرلمان الذى لم يحصل فيه إلا على مقعد يتيم، وطعناً فى الإسلاميين جميعاً؛ محرضاً على هدم كل شىء، وقد شاهده الناس خلال مداخلاته على التليفزيون الرسمى وهو يحصر إنجازات مجلس الشعب فى أشياء وهمية لم يفكر المجلس يوماً فى مناقشتها، وإنما أصر على أنها من منجزات المجلس؛ مثل «ختان الإناث»، و«مضاجعة الوداع»، متندراً على تخلُّف مجلس الإسلاميين!! هل هذا رجل يريد للأمور أن تستقر فى مصر، وأن يكون لمصر دستورها ورئيسها ومجلسها حتى تدور عجلة الحياة فيها.. الموت أهون عليه من ذلك، وسيكون يوماً أسود من قرن الخروب إذا بلغت هذا مصر اليوم؛ لأنه يوم قرار الشعب بالانحياز إلى هويته الإسلامية! أما «نجيب ساويرس»، الذى يقود حزب «المصريين الأحرار» ومعه كل العلمانيين الغلاة من خدَّام السياسة الأمريكية والصهيونية، فقد أعلن رفضه لتشكيل «اللجنة التأسيسية لوضع الدستور» قائلاً، فى تغريدة على صفحته الخاصة بموقع التواصل الاجتماعى «تويتر»: «لن نستسلم لدستور الدولة الدينية.. لا للتكويش.. لا للاستبداد.. لا للمغالبة.. فلينسحب كل وطنى شريف».. وقال: «لقد انسحبتُ حتى لا أكون شاهداً على تزوير مستقبل مصر»!! والحقيقة أنه يريد حاضراً ومستقبلاً لمصر وفق رغبته وثقافته الأمريكية وهواه الصهيونى، فهو ليس رجلاً علمانياً يحترم علمانيته، ولا نصرانياً يصون ديانته، ولا رجل أعمال يمتلك تاريخاً شفافاً عن تضخم ثروته بهذه الدرجة المهولة، ولا سياسياً متزناً فى مواقفه. كان نجماً ساطعاً خلال عهد «مبارك»، وصار فجأة من حكماء ثورة 25 يناير. سَخِر فى رسم كاريكاتيرى من اللحية والنقاب، ومن قبل سب «الدين» على الهواء مباشرة ورفض المادة الثانية من الدستور، وتفاخر بحب الثقافة الأمريكية، ولم ينكر استثماراته فى الكيان الصهيونى. قال خلال ثورة 25 يناير لبرنامج «تسعين دقيقة» على قناة «المحور»: «لن أذهب إلى ميدان التحرير.. المطالبة برحيل الرئيس مرفوضة من قطاع كبير من الشعب المصرى - وأنا واحد منهم - عاطفياً.. أدبياً.. مكانةً.. عسكرياً.. فعهده لم يكن كله سيئات.. و«ميصحش» شعب عريق يكون فيه بذاءات بالشكل ده».. وبعد نجاح الثورة قال عن عهد «مبارك»: «يوم تنحِّى الريس كانت فرحتى كبيرة، أيام.. الله لا يعيدها»! سأله حسن معوض فى برنامج «نقطة نظام» ب«البى بى سى»: لو وضعت المادة الثانية من الدستور للتصويت، ووافق عليها الشعب هل تقبلها؟ فرد: الغالبية مسلمة ولا يمكن أن تقول لا! - فسأله: ألا تقبل برأى الأغلبية؟ - قال: لا. - أليست تلك الديمقراطية؟ قال: لا «مش» ديمقراطية.. «مش» ديمقراطية! [email protected]