فى السنوات الأخيرة من عهد الرئيس حسنى مبارك شاعت نكتة تقول إن أحد أصدقائه المقربين قد أهدى إليه سلحفاة وقال له إنها سلحفاة من النوع النادر عمرها سنة وسوف تعيش300 سنة، فتعجب الرئيس وسأله: دى ها تعيش 300 سنة؟ قال: أيوة يا ريّس، فقال الرئيس: طيب.. ها نشوف!! ثم جاءت ثورة 25 يناير بحول الله وقدرته، ثم بتاريخ 2 يونيه 2012 صدر حكم القضاء المصرى على الرئيس المخلوع بالسجن مدى الحياة. سبحان القادر على ما يشاء.. سبحان مغير الأحوال الذى يغّير ولا يتغيّر.. من الحكم مدى الحياة.. إلى السجن مدى الحياة.. وهذا وصف بليغ للحكم على الرئيس المخلوع حسنى مبارك بالسجن مدى الحياة، كتبته صحيفة الشروق التونسية- حيث اندلعت شرارة انتفاضات الربيع العربى - تحت عنوان "فرعون مصر فى حكم.. المؤبد"، إنه بهذا الحكم "دخل مبارك التاريخ ولكن من بابه الخلفى كأول حاكم عربى يقف أمام العدالة فى مشهد لم يسبق أن حدث منذ آلاف السنين"، وأضافت أن مبارك ظل يُمنِّى نفسه بالحكم مدى الحياة متناسيًا أن للأمنيات أقدارها وأسرارها وأن للشعوب كلمتها فى صناعة التاريخ. وتابعت "بين الحكم مدى الحياة.. والسجن مدى الحياة.. مسافة صغيرة وأحكام كبيرة تصنعها إرادة الشعوب العظيمة.. وهكذا يطوى شعب مصر صفحة مبارك نهائيًا". يا سلام.. إنها إرادة الله عز وجل، لا يقدر على ذلك إلا الله.. أمّا ولداه علاء وجمال فقد حصلا على البراءة فى ذلك الحكم، ولكنهما مازالا محبوسين على ذمة قضايا أخرى تتعلق بالشرف والأمانة. وكانت تلك هى نهاية أول فرعون فى التاريخ يحاكمه شعبه ويُلقى به فى السجن إلى الأبد. انفجر الشعب فى غضب عام وثورة عارمة حينما شعر أن الثورة ضاعت منه، ففور صدور الحكم وبسرعة البرق تدافع الشعب إلى ميدان التحرير واشتعلت الثورة فى جميع أنحاء مصر ضد حكم القضاء، وانطلقت مليونية الجمعة 8 يونيه تحت عنوان "مليونية الإصرار" وشعارها "لا يأس ولا استسلام" ورفضت العفو الصحى عن مبارك وشكل الميدان محكمة شعبية قضت بالحكم بالإعدام على حسنى مبارك وأعوانه ومصادرة أموالهم.. (أهرام السبت 9 يونيه) ومازالت الثورة مستمرة تعبيرًا عن رفضها لحكم القضاء وتطالب بإعادة محاكمة مبارك وأعوانه. هذا هو المشهد السياسى المتوتر المضطرب، وساهم فى ذلك: الإعلان عن تحديد يوم الخميس القادم 14 يونيه لإصدار المحكمة الدستورية العليا حكمها فى دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب وما صاحب ذلك من كتابات وتلميحات من العليمين ببواطن الأمور من أن مجلس الشعب سيُحلّ بعد أن أوصت بذلك هيئة المفوضين بالمحكمة، كما ستحكم فى دستورية إحالة قانون العزل السياسى "الفلول" لتلك المحكمة من جانب اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، فى حين أن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية تبدأ يوم السبت 16 يونيه. ومما ساعد بشكل كبير على إظلام الصورة أمام الرأى العام: هو تضارب أحكام القضاء التى تصدر فى موضوع واحد فى وقت واحد.. من ذلك أن محكمة تصدر قرارًا بوقف تنفيذ قرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية بإحالة قانون العزل السياسى إلى المحكمة الدستورية العليا، وبعد أيام قليلة يصدر حكم من محكمة أخرى بإلغاء هذا الحكم, ومحكمة تصدر قرارًا بوقف تنفيذ قرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية بدعوة الناخبين لانتخاب رئيس الجمهورية، ثم تأتى بعد أيام قليلة محكمة أعلى وتلغى هذا الحكم، ومحكمة تحكم على عادل إمام بالحبس بتهمة إهانة الدين الإسلامى ثم تأتى بعد أيام قليلة محكمة أخرى و تقول: لا.. عادل إمام براءة. فإذا عدنا إلى الحكم فى قضية حسنى مبارك ونجليه وأعوانه، فإن النائب العام قد أعلن على الفور أنه سيطعن على هذا الحكم أمام محكمة النقض طالبًا إلغاءه (تأملوا كلمة الطعن وتذكروا الخنجر والسكين)، وبالطبع سيتضمن الطعن توجيه الخنجر إلى الحكم من ثلاثة أماكن هى: القصور فى التسبيب، والفساد فى الاستدلال، والخطأ فى تطبيق القانون، وهى ذات الأسباب التى تستند إليها محكمة النقض عند نقض(أى إلغاء) أحكام صادرة من محاكم الجنايات أو الاستئناف. وهكذا ثار الشعب المصرى بحدة وغضب شديد متسائلاً "هوة فيه إيه؟؟" لا يعرف الرأى العام أن التقاضى على أكثر من درجة، مما يعنى وجود رقابة من محكمة أعلى على الأحكام الصادرة من درجة أدنى، هو ضمان لتحقيق العدالة. لا يعرفون أن حكم المحكمة يعبر عن الحقيقة، وأن القاضى لا يقضى بعلمه وإنما هو مقيد بالأدلة الثابتة أمامه فى الأوراق، ولا يجوز التعليق على أحكام القضاء. هذا بالإضافة إلى الشعور العام بأن الفلول وأتباع الفرعون ما زالوا موجودين يعيثون فى الأرض الفساد، ويخططون للانقضاض على الثورة ومكتسباتها وإعادة مصر إلى ما كان عليه الحال فى عهد مبارك، كما عادت ريمة إلى عادتها القديمة. القوى الثورية الوحيدة القادرة على التغيير وفرض إرادتها هى الجماهير فى ميدان التحرير والميادين المماثلة فى المحافظات، وسيبكم من حكاية "الأحزاب والقوى السياسية والوطنية"،فأنتم يا جماهير الثورة يا شعب مصر مصدر السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، فباسمكم تُفتتح الجلسات، وباسمكم تصدر القوانين وأحكام القضاء.