لا أنوى الحديث عن الشبيحة فى أم الدنيا الذين طغوا وبغوا، وظنوا - مع أنهم أقليات سياسية محدودة - أن الشعب المصرى الطيب سيتركهم يعيدون النظام القديم بجبروته وظلمه وظلامه ومحاربته لله ورسوله، واستهانته بكرامة الشعب وحاضره ومستقبله، واعتماده على نمط فريد من أبواق الزور والبهتان والتدليس فى فضائيات الليل وصحف النهار! الشبيحة الذين أتكلم عنهم هم شبيحة دمشق العمرية التى كانت عاصمة العالم الإسلامى فى عهد الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز، وصارت اليوم مستباحة بالدبابات والمدفعية، يرويها الدم والدموع ولا تتوقف فيها منذ أربعة عشر شهرًا مشاهد تشييع الشهداء! فى خبر نقلته وكالات الأنباء فى 3/6/3012م؛ جاء أن رئيس الأوروجواى "خوسيه موخيكا" يشبهه المراقبون بالخليفة عمر بن عبد العزيز.. لأن راتبه الشهرى 12500 دولار.. ويملك سيارة فولكس فاجن، ويفتح قصره للمشردين ويخصص 90 بالمائة من راتبه للأعمال الخيرية، ويقول: يكفينى 1250 دولارًا فى الشهر.. ويشير المراقبون إلى أن الرجل يجسد صورة الحاكم القريب من مشاعر الناس وقيم التضامن التى تبقى فى وقتنا الراهن وخاصة فى العالم العربى نوعًا من 'اليوتوبيا'. فى الوقت نفسه تقريبًا كانت القنوات الفضائية تنقل خطابًا كارثيًا مليئًا بالتهديدات والأكاذيب للفريق الركن الدكتور بشار الأسد، يعلن فيه من دمشق أمام مجلس الشعب الذى صنعه على عين الشبيحة أن "لا مهادنة ولا تسامح" مع الإرهاب، وأنه ماضٍ فى مواجهة "حرب الخارج" على سوريا مهما غلا الثمن! وأكد أن الأمن فى البلاد "خط أحمر"، وأضاف: مهما كان الثمن لا بد أن نكون مستعدين لدفعه حفاظًا على قوة النسيج وقوة سوريا". وتابع: "عندما يدخل الطبيب الجراح ويقطع (..) يقال له سلمت يداك لأنك أنقذت المريض"، مضيفًا: "نحن ندافع عن قضية ووطن، فقد فرضت علينا معركة.. والعدو أصبح فى الداخل". الرئيس الأرجوانى يحنو على شعبه ويعرض استعمال بعض أجنحة القصر الرئاسى فى العاصمة مونتفديو لتوفير المأوى للمشردين فى حالة عدم كفاية المراكز الموجودة فى العاصمة.. والحاكم الدمشقى يهدد شعبه بالدم والنار والاستئصال، ويشبهه تشبيهًا فاسدًا بالمريض الذى يحتاج إلى استئصال عضو من جسده لينجو ويشفى، ونسى أنه لا أحد يضمن أن يموت المريض تحت مبضع الجراح الفاشل؟ الرئيس موخيكا قليل الظهور فى وسائل الإعلام، ولكنه يوصف بالرئيس العملى الذى يصنف بالأكثر قربًا من شعبه فى العالم.. وتطلق عليه الصحافة "أفقر رئيس فى العالم ورئيس الفقراء" بسبب تواضعه المطلق، إذ رغم رئاسته للبلاد، فهو يقيم فى منزله المتواضع ويستقبل فيه أبناء شعبه على اختلاف مستوياتهم.. أما فخامة الرئيس الأسد فيصف شعبه الباحث عن الحرية والأمل بالإرهابى الذى يحركه الخارج بالرشوة، ويتجاهل أن نصف هذا الشعب فى المنافى والمهاجر منذ عهد أبيه هربًا من الشبيحة العلنيين والسريين، ومن يموت منهم فى غربته لا يستطيع أن يدفن فى وطنه، وكثير من مدن بلاده وقراها تحت حصار الشبيحة العسكرى المفروض بالدبابات والمدفعية والقناصة، وكثير منها لا تجد الطعام ولا الدواء، ومجلس الأمن عاجز أن يوصل إليهم مواد الإغاثة أو وقف شلال الدم الذى يصنعه فخامة الرئيس وشبيحته، لأن روسيا والصين تمنعانه من اتخاذ قرار نافذ! بعض القوميين العرب يدافعون عن دموية حاكم دمشق، خوفًا أن تسقط سوريا قلعة الصمود والتصدى، أو المقاومة والممانعة؛ فى قبضة الطامعين ويتم تقسيمها، ولكنهم – مع حسن النية – يتجاهلون أن الرجل خلع من زمان رداء القومية وارتدى ثوب الطائفية البشع وسخر جيش بلاده الذى يفترض أنه يمثل الأغلبية، فى قتل هذه الأغلبية وسحقها، ولم يحتمل أن يقوم صبى بكتابة عبارة "الشعب يريد إسقاط النظام" على أحد الجدران، فى مدينة درعا، فقام شبيحته بتعذيب الصبى ورفاقه بوحشية غير مسبوقة، وفرضوا على البلدة الحكم العسكرى الصارم، وحظر التجول، وقتلوا من خرج من داره، وكانت النتيجة أن عبر الناس عن غضبهم، وخرجت المظاهرات عقب صلاة الجمعة وامتدت من درعا فى الجنوب إلى حمص فى الشمال ثم شملت كل أنحاء سوريا، وقبل أن يرشوهم الخارج أو يسلحهم للدفاع عن أنفسهم كانوا يخرجون مسالمين فى مظاهرات ليلية ونهارية يطالبون بالإصلاح الذى لم يأت، وعندما يئسوا طالبوا بإسقاط النظام، وكلما ازداد قتل الشبيحة لهم، ازدادوا تمسكًا بمطالبهم العادلة.. استطاع نظام الشبيحة أن يقتل حتى الآن أكثر من أربعة عشر ألفًا من الأبرياء، ولكنه لم يستطع – وهو رمز الصمود والتصدى كما يصوره القوميون العرب – أن يقتل أربعة عشر صرصارًا على جبهة الجولان المحتلة!