مؤيد هنا ومعارض هناك، ربما يعد هذا أمرًا طبيعيًا؛ فالاختلاف أمر جائز ووارد، تلك هى طبيعة الحياة، أما حال بعض المصريين فربما ترى العجب العُجاب: شعب لم يقبل بالاستبداد، فقام بثورة أدهشت العالم، وأطاح بنظام مبارك، وأراد أن يدهشه أكثر، فأعاد أحد أركان النظام السابق عبر صناديق الاقتراع الشفافة، ألا وهو الفريق شفيق، ربما محاولات الشعب الذى يسير نحو الديمقراطية بخُطى متسارعة، أفقدته توازنه وجعلته لم يصدق نتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فخرج محتجًا ليس فقط على حصول شفيق على ملايين الأصوات المؤيدة، إنما أيضًا لحصول منافسة الدكتور محمد مرسى على ملايين أكثر، فأية ديمقراطية يرضى بها هذا الشعب، الذى لم يفوت على نفسه فرصة؛ ليشكك فى نزاهة الانتخابات، بإطلاقه الشائعات بمشاركة أفراد الجيش والشعب فى التصويت ببطاقات مدنية! فهل من حق البعض أن يعترض على النتيجة التى صوَّت فيها الشعب نفسه ليس هذا فحسب، إنما بات البعض يقتحم ويدمر ويحرق المنشآت العامة والخاصة. فى البداية يقول الدكتور عاطف البنا أستاذ القانون الدستورى، إن ما قام به البعض من الاعتراض على نتيجة الانتخابات الرئاسية ووصول مرسى وشفيق للإعادة أمر غير جائز على الإطلاق، وفعل غير مبرَّر، وهذا يعنى عدم التسليم بنتيجة الديمقراطية، من خلال انتخابات نزيهة ديمقراطية، لم تحدث منذ 60 عامًا، منذ عهد عبد الناصر الذى كان يتم فى فترة الانتخابات، فى عهده "عزل سياسى" لكل مَن هو خارج الاتحاد الاشتراكى، وأبدى البنا دهشته من خروج بعض المرشحين الخاسرين فى الانتخابات؛ ليوجهوا الأفراد لعدم التصويت لأى من المرشحين "شفيق و مرسى" فى جولة الإعادة، وتهديدهم بطريقة غير صريحة بالنزول إلى الشارع، وعلينا أن نسلم بنتيجة الانتخابات، وأيًا كانت تجاوزات قليلة وبسيطة فلا تؤثر فى النتيجة، مثل خروج البعض عن الالتزام بفترة الصمت الانتخابى أو استخدام المال السياسى، وربما تُعد هذه تجاوزات، ولكن ليس معنى هذا عدم التسليم بنتيجة الانتخابات، وإلا لن يتم الاعتراف بأية انتخابات تُجرى فى البلاد. وأشار البنا إلى أن خروج البعض للاعتراض على نتيجة الانتخابات، لا يعد معبرًا عن رأى الشعب المصرى كله، مضيفًا أنهم قلة، ولكن الأغلبية توافق على نتيجة الانتخابات، وإن جاءت بأحد الأشخاص الذين ينتمون للرئيس السابق، وشدد البنا على أنه لن يكون هناك حاكم يستطيع الاستبداد بعد قيام ثورة 25 يناير؛ لأن فترة حُكمه 4 سنوات، ونستطيع عزله بسهولة حتى لو جاء الحاكم من حزب الحرية والعدالة، وليس صحيحًا ما يروجه البعض من إشاعات مضللة أن الإخوان إذا تولوا الحكم لن يتركوا السلطة، ولن يستطيع أحد أن يقهر الشعب المصرى. وأضاف البنا، أن سيناريو الانقلاب على الإسلاميين مثلما حدث فى الجزائر أمر غير وارد؛ حيث حدث انقلاب داخلى فى الجزائر فى التسعينيات، كان هدفه عدم وصول الإسلاميين للحكم؛ لذلك كانت هناك دول أجنبية كأمريكا وفرنسا خاصة الأخيرة، بما لها من وضع وسابقة تاريخية، فى احتلال الجزائر لمدة 130 سنة، فتدخلت كلتا الدولتين لإجهاض العملية الانتخابية. كما أدان الفقيه الدستورى حرق مقار الفريق شفيق، واصفًا هذا الفعل بالأمر المؤسف، وأشار إلى أن فاعلى هذه الحادثة غير راغبين فى التصديق بما جاءت به صناديق الانتخاب، ويريدون إثارة عدم الاستقرار والاضطرابات، مضيفًا أن مواقف بعض مرشحى الرئاسة الخاسرين ربما تشجع على مثل هذه الأمور، على الرغم من إدانتهم لها. وطالب البنا مَن يروج لإشاعة أنه يوجد 900 ألف من قوات الشرطة أو الجيش، شاركوا بالعملية الانتخابية، أن يقدموا دليلاً دامغًا على ذلك، خاصة أنه أمر غير متصور، فضلاً عن أن اللجنة العليا للانتخابات نفت كل هذه الشائعات. ومن جانبه، قال الدكتور جمال زهران، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة قناة السويس إن هناك مبررًا لرد فعل الشارع المصرى بالاعتراض على نتيجة الانتخابات، والخروج للتظاهر؛ فهو من حقه أن يعترض، خاصة بعد حصول شفيق على كل هذه الأصوات ووصوله لمرحلة الإعادة، وأؤكد بصفتى أستاذًا للعلوم السياسية، أن صُندوق الانتخابات ليس كاشفًا، ومن حق المعترضين المطالبة بإلغاء الانتخابات، فكيف لنا أن نعيد نظامًا قديمًا؟!، بهذا نكون مثل رومانيا، قمنا بثورة، ثم أعدنا النظام مرة أخرى، بدلاً من أن تصل القوى الثورية للحكم، وللأسف كل هذا تم بعدما تم إزهاق العديد من الأرواح، وتم تكفيرهم وجعْلهم يكرهون الثورة، فضلاً عن أننا أمام تيار سياسى لا يعترف بالآخر، ألا وهو الإخوان المسلمون، ومَن أوصلنا لهذه المرحلة هو المجلس العسكرى، وهو مَن يتحمل المسؤولية. وإذا تحدثنا عن نزاهة الانتخابات فهى مسألة نسبية؛ فمثلاً لا يجوز أن تضعنى بغرفة مظلمة، وتطلب منى أن أختار بين شيئين، وللأسف هذا ما حدث معنا، فنحن وقعنا بين خياريْن، كلاهما مر.. فالشعب أُجبِر على الاختيار فى عمل خاطئ، والآن نحن أمام موجة جديدة للثورة. وأكد زهران على أن كل التقارير الخارجية والدولية التى تشيد بنزاهة الانتخابات، فقط لتمرير شفيق لسباق الرئاسة، والدليل أنه خلال 16 شهرًا من قيام الثورة لم يحدث شىء، ولم يحاسَب شفيق على أىٍّ من أخطائه، فما بُنِىََ خلال الفترة الماضية من خلق كتلة عدم الرضا والتخويف والإحساس بعدم الأمن والأمان، كان مخطَّطًا لاختيار شفيق فى النهاية؛ ليحقق للشعب الأمان. ويرى الدكتور سامى عبد العزيز، أستاذ الدِّعاية والإعلان بكلية الإعلام، بجامعة القاهرة، أن أسباب رفض الجماهير لنتيجة الانتخابات تعود إلى الإعلام الحديث؛ حيث قال: إن الإعلام التقليدى كانت مشاركته أقل بكثير من الإعلام الجديد فى التأثير فى الناس، لرفضهم لنتائج الانتخابات الأخيرة؛ بمعنى أن وسائل التواصل الاجتماعى الجديدة (الإنترنت بكل مواقعه)، بما فيه من سرعة انتشار وهجوم، بالخروج عن كل القيم والأعراف، وعدم وجود أية قواعد أو ضوابط لهذا النوع من الإعلام، بدأ ينتقل على مرحلتين، أى أنه على الرغم من أنه ليس كل المجتمع يتعرض له، ولكن الشريحة التى تتعرض له تنقل محتواه إلى الآخرين، و هذا ما ساهم أكثر فى نشر الشائعات، وعلى سبيل المثال، انتشار شائعة مشاركة نحو 900 ألف من جنود وضباط الشرطة والجيش ببطاقات مدنية للتصويت فى الانتخابات، دون أدلة ومستندات دامغة، وهذا ساهم أيضًا فى خروج بعض الجماعات التخريبية عقب إعلان نتيجة الانتخابات، ودخول مرسى وشفيق الإعادة، وقاموا بحرق مقار الفريق شفيق، وربما بعض الناس كان يتوقع نتائج أخرى غير هذه النتائج، فهناك ما يُسمى بردَّة الفعل للفعالية الأولى. والخوف أن يصل هذا الأمر لأن يُحجم الناس عن المشاركة فى الإعادة، وهنا يجب على الإعلام تحرى الدقة وأن يكون متوازنًا فى عرضه للأحداث لدفع الناس للمشاركة وعدم عزوفهم؛ وذلك لأن الصخب الذى ينتقل من الأرض بشكل تضخيمى، يسبب نوعًا من أنواع الفزع عند المواطن العادى، صاحب المستوى التعليمى المتوسط أو أقل من المتوسط. ومن جانبه يقول الدكتور عبد الرحيم على، مدير المركز العربى للبحوث والدراسات، إنه من الطبيعى أن ينزل بعض الأفراد المعترضين على نتيجة الانتخابات، فمثلاً حينما ينزل 2500 شخص من أصل 85 مليونًا، فهذه نسبة طبيعية بالنسبة لأى شعب، وهى لا تعبر عن الشعب كله، ولكن هذا طبيعى؛ لأن هناك أناسًا لا يقبلون فكرة الديمقراطية بشكل عام، ولا يقبلون الهزيمة عن طريق صندوق الانتخابات، وأعتقد أن هذه النسبة أقل كثيرًا بالنسبة لشعوب أخرى لديها معترضون على تطبيق الديمقراطية أعلى بكثير، وردًا على ما أثير حول وجود 900 ألف من جنود الشرطة والجيش، قال عبد الرحيم: إن مثل هذه الشائعات لا ترقى لمستوى المناقشة. وأكد عبد الرحيم، أن ما تشهده مصر حاليًّا هو أنزه انتخابات عرفتها مصر، ولدينا عرس ديمقراطى، ونحن ندعو العقلاء فى كل هذا الوطن وكل مَن ترشحوا لرئاسة الجمهورية، إلى أنهم أمامهم دورة واحدة 4 سنوات ويترشحون مرة أخرى، وهناك مَن تسمح سِنُّه بأن يترشح بعد دورتين وثلاث، ومن ثم عليهم ألا يفسدوا هذا العرس، ولا يوجد أحد، بمن فيهم الإخوان أنفسهم ولا السلفيون ولا قوى الثورة، شككوا فى نتيجة الانتخابات، إلا الذين فاقت توقعاتهم قدراتهم الحقيقية، ففوجئوا بصندوق الانتخابات وكانت حقيقة صادمة؛ لأنهم جهزوا أنفسهم لنتيجة ليست نتيجتهم الحقيقية. وأشار إلى أن أمام صباحى وأبو الفتوح فرصة كبيرة فى الدورات القادمة، فلماذا يقومون بالإساءة لسمعتهما بمحاولة الادعاءات وإصدار الشائعات، وفى النهاية لو حدثت فوضى عارمة فسيحدث انقلاب عسكرى، فهل نقبل بأن نظل تحت الحكم العسكرى أكثر من 6 أعوام على الأقل الآن فى انتخابات؟، بعد ذلك لن نحصل على انتخابات أو أى شىء، خاصة أننا أمام أشخاص لا يقبلون بالديمقراطية، فليس أمامى سوى أن أحكمه بالحديد والنار، وأضاف: "على ما أعتقد أن الإخوان لن يصلوا للحكم لأسباب عديدة جدًا؛ أولاً كل الذين صوَّتوا لعبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى وحمدين هم ليسوا من جمهور الإخوان، وإلا كانوا صوتوا لمرسى، ونصف هؤلاء لم يصوتوا لشفيق؛ اعتقادًا منهم بأن شفيق ربما يخسر، والنصف الآخر أراد إعطاء حمدين وأبو الفتوح فرصة وفى النهاية المجموع الكلى وضع خطًا أحمر على الإخوان فقط، ووضعوا خطًّا أصفر على شفيق، نحن نتحدث عن حوالى 6 أو 7 ملايين صوت ممن صوتوا لحمدين وأبو الفتوح، ذاهبين لشفيق والباقى سيجلس فى المنزل، ولن يشارك، أو نكاية فى كل ما يحدث سيصوت للإخوان". وأعرب عن أن الخوف فعلاً أن يفوز الإخوان، ويحدث ما حدث فى الجزائر فى التسعينيات، بعدما صعد الإسلاميون للسلطة، حدث انقلاب عسكرى، وهو أمر وارد هنا، ولا أحد يقبل أن يأتى تيار جديد على رأس السلطة، كل تصرفاته فى البرلمان تصرفات استحواذية، وتصرفاته فى اللجنة التأسيسية تصرفات ديكتاتورية، والقوانين التى ناقشها هى تفصيل لصالح تيار معين أو ضد أشخاص بعينهم، فلا يجوز أن يتولى السلطة من منطلق تصفية الحسابات. فى حين قال علاء شلبى، الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، إنه يرى أن حق التظاهر واعتراض البعض على نتيجة الانتخابات هو حق سلمى، فليس معنى أن أصف الانتخابات بالنزيهة أن أمنع التظاهر أو أصادر على حق الآخرين فى التعبير عن رأيهم، أما بالنسبة لحرق مقار الفريق شفيق فهذه جريمة، ولا بد أن يتم التحقيق فيها، ومحاسبة المسؤولين عنها أيًّا كان، سواء أكان هؤلاء من تيار شفيق نفسه- كما يدَّعى البعض- أو من تيار أحد منافسيه، فلا بد أن يُحاسَبوا. ونفى شلبى كل ما أثير من شائعات حول مشاركة مجندى شرطة أو جيش فى الانتخابات؛ وذلك فى حدود متابعة المنظمة، وقال إنه كلام عارٍ تمامًا من الصحة، ولا يمكن أن يحدث، مؤكدًا أن هناك خروقًا عديدة، شابَت العملية الانتخابية، ولكنها لا تؤثر فى سير العملية الانتخابية، وأهم تلك الخروق هى استخدام المال السياسى بكثافة من قِبَل المرشحين الرئيسيين بصفة خاصة، فالفريق شفيق والدكتور محمد مرسى ليسا هما فقط، ولكن معهما مرشحون آخرون، وهذا يفوق حجم السقف المحدد إنفاقه فى الانتخابات بمراحل، وفقًا لتقديرنا بالمنظمة. وأضاف شلبى أنه تم رصد خروق أخرى خاصة بالقضاة وبعض موظفى اللجان العامة؛ للتأثير فى الناخبين فى عملية التصويت، وأكد أن فكرة الخلاف الدائرة بين المواطنين حول القبول والرفض لنتائج الانتخابات، هى عملية صحية مادامت تدور فى إطار العملية الديمقراطية، واستبعد شلبى نهائيًا أن توصِّل مرحلة الخلاف هذه المجلس العسكرى لأن يقوم بانقلاب عسكرى، كما حدث بالجزائر فى التسعينيات.