كتبت قبل أكثر من عامٍ مقالاً بعنوان"فرض الحصار على رموز العار"، طالبت فيه بشدة بعزل الفئة الباغية إعلاميًا؛ لأنها هاجمت الثورة وحرصت على تشويه الثوار سعيًا لإجهاض ثورتهم المباركة والإبقاء على مصر العزيزة أسيرة فى ربقة الفساد والاستبداد والعبودية الذليلة لتحالف المال والسلطة؛ راجيًا فرض الحصار عليهم بعدم السماح لهم بالاستمرار فى التغرير بالشعب والتدليس عليه، بعد أن سقطوا بجدارة فى اختبار الحرية والكرامة؛ موقنًا بأن هؤلاء جميعًا ينبغى محاسبتهم على هذه الجريمة النكراء وألا ينجوا بفعلتهم فى حق هذا الشعب الأبي، الذى طالما خدعوه وخدروه بنفاقهم الصارخ للطاغية المخلوع، والحد الأدنى من المحاسبة هو عزلهم حيث لم أكن أتصور أن تبقى منابرنا الإعلامية متاحة لأشخاص مثل عبد الله كمال وعبد الرحيم على ونبيل شرف الدين؛ ومن على شاكلتهم، بعد ما أبدوه أثناء الثورة من حقد أسود دفين يستهدف استئصال شأفة الثوار؛ حتى أحرق الله قلوبهم بكونها (للأسف نجحت)!!. وتمنيت وقتها أن يكون هذا العزل شعبيًا نابعًا من الإحساس بأمانة المسئولية والخوف على مصر وعلى الثورة لدى القائمين على وسائل الإعلام، وكذلك من المعلنين فيها والرعاة لبرامجها بل ومن مشاهديها الذين بوسعهم إعلان مقاطعتها، لا أن يكون أمرًا فوقيًا فى عهدٍ صرنا كلنا نتطلع فيه للحرية وعدم الإقصاء، وأشرت إلى أن إسكات هؤلاء وإخراس ألسنتهم له سند شرعى فى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان رأس النفاق عبد الله بن أبى بن سلول يقوم بين يدى رسول الله كل جمعة حين يجلس النبى للخطبة، فيقول "هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم، أكرمكم الله أعزكم به، فانصروه وعزروه، واسمعوا له وأطيعوا" ثم يجلس، فيقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخطب، وكان من أمره أن فعل ذلك فى الجمعة التى أعقبت غزوة أُحد فقام ليقول ما كان يقوله من قبل، فأجلسه المسلمون بثيابه وقالوا: "اجلس يا عدو الله فلست لذلك بأهل وقد فعلت ما فعلت"، فالذين قاموا بهذا العزل الإعلامى هم جموع الجماهير وليس بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم. إلا أن استمرار هذه الظاهرة، بل وارتفاع وتيرتها وحرارتها أثناء فترة الانتخابات الرئاسية؛ لَيؤكد أن وسائل الإعلام ليست بريئة من تقديم هؤلاء للصدارة، مهما ادعت الحيادية والحرص على تقديم مختلف الآراء، فهذا ادعاء كاذب ومآله خطير كالحرص على إبقاء عضو بالبدن أصابته الغرغرينة، وما لم يبتر فسيتسمم سائر الجسد حتى الموت، وكل وسيلة إعلامية تتيح منبرها لهؤلاء فهى إما خبيثة لئيمة تحارب الثورة فى مقتل، وإما ساذجة بلهاء تركت منبرها مطية لأعداء الثورة. إن القصف الإعلامى الذى يتعرض له التيار الإسلامى بضراوة؛ منذ أن منَّ الله عليه بالفوز غير المسبوق فى الانتخابات البرلمانية؛ فوزًا أقض مضاجع الذين يخططون منذ قرون لإزاحة الفكر الإسلامى من خريطة السياسة العالمية (واسألوا عن ذلك منظمات المجتمع المدنى التى اتهمت فى قضية التمويل الأجنبى وتم تهريب ممثليها تحت جنح الظلام)؛ وأقض مضاجع المرتزقة الذين استفادوا من قمع النظام البائد الفاسد للإسلاميين وترك البلاد لهم نهيبة يسرحون فيها ويمرحون؛ وكل هذه الغنائم أضحت معرضة للزوال بل للمحاسبة إن وصل الإسلاميون للحكم، كما أن هذا الفوز أثار بلا شك قلق قوى سياسية وطنية ومخلصة كانت شريكًا فاعلاً فى الثورة مع التيار الإسلامى (وربما سبقته إليها)؛ ولكنه شعرت بأنه سيستأثر بثمرتها. ومن هنا تلاقت المصالح (على تناقضها) وقام تحالفٌ ضمنى لمحاربة العدو المشترك على أن تُستخدم فى هذه الحرب أسلحة دمار شامل لتقضى على شأفته وتستأصله تمامًا، وبالطبع فإن أسلحة الدمار الشامل غير المحرمة دوليًا هى فقط وسائل الإعلام فهى بمثابة كتائب للإعدام. فمعظم وسائل الإعلام التقليدى فى مصر المتمثلة فى الصحف والقنوات التليفزيونية يمولها الفلول ويسيرها معادون للتيار الإسلامي؛ أما الإعلام الجديد فى "الفيس بوك" و"التويتر" و"اليوتيوب"، فتسرح فيها وتمرح فصائل الحنجوريين الذين أسهموا فى الثورة ولكن بوسعنا أن نطلق عليهم (ثوار .. يعوقون الاستقرار)، وفى كل هذه الوسائل استطاع القائمون عليها وضع الإسلاميين بين فكى رحى، فإن هم سكتوا وتغاضوا عن الأراجيف اعتبروا مقرين بما فيها ومستسلمين لزيفها، وإن هم تصدوا ففندوا الأراجيف؛ صاح المرجفون بأن ها هى محاكم التفتيش قد عادت؛ متسائلين عن الإسلاميين إذا كانوا لا يتقبلون النقد قبل وصولهم للحكم؛ فماذا سيفعلون بنا مستقبلاً، وهكذا تنجح رسالتهم المغرضة فى بلوغ أهدافها؛ مراهنين فيها على أساس إن "العيار اللى ما يصيبش يدوش". وقفات كثيرة مع الأمثلة والأدلة والبراهين قد نبسطها فى مواطن أخرى، فلا أظننى سأتجاهل الحديث عن أكذوبة استطلاعات الرأى ومثيلاتها من الأكاذيب التى تنتمى إلى منهج "جوبلز" وزير الإعلام فى النظام النازى الذى كان شعاره؛ "إذا أردت أن يصدق الناس كذبتك فاجعلها أكبر"، ولكننى أود التنبيه الآن على نغمة سارية وظّف الإعلام تقنياته لها بدهاء لتصبح قناعة راسخة، فمنذ أن أعلنت النتائج الأولية لانتخابات الرئاسة التى تقضى بالإعادة بين الدكتور المرسى والفريق شفيق، صرنا نسمع كثيرًا فى التقارير الإعلامية وأحاديث المحللين بأن القوى الثورية فى الانتخابات حصلت مجتمعة على ما يفوق ما جمعه كلٌ من مرشحى الإخوان أو الفلول على حدة، ويمضى الأمر ويتكرر بصورة عادية، لنصبح الآن أمام مُسلمةٍ يجب أن يتم إقناع الشعب بها قبل التوجه إلى صناديق الإعادة، وهو أنه ليس أمام تيارين بل ثلاثة: قوى الفلول .. وقوى الثورة .. وقوى الإسلاميين الذين انفصلوا عن الثورة فلم يعودوا ممثلين لها!!!؛ وبالتالى فهم والفلول سواء. فهمت اللعبة يا حاج؟؟؟؟.