المرحلة الأولى من الانتخابات لم تكن مزورة، لكنها فى نفس الوقت لم تكن نزيهة، التزوير يتعلق بالتدخل المادى فى العملية الانتخابية، أما النزاهة فتتعلق بأسلوب إدارة العملية الانتخابية، سواء من حيث مدى حيدة السلطة العامة بين القوى المتنافسة، وقد غابت هذه الحيدة باستبعاد أقوى المرشحين على الساحة لصالح مرشح الفلول، أو من حيث لجوء حملة الفلول إلى وسائل غير مشروعة وغير أخلاقية مثل إطلاق الشائعات الكاذبة أو اللجوء إلى تشويه الحقائق الثابتة أو النقد غير الموضوعى اعتمادا على نقص الوعى السياسى لدى الكتلة المتحركة بقصد التضليل المتعمد، والأسوأ من ذلك كله استخدام المال السياسى، الذى كان واضحًا بشدة فى حملة مرشح الفلول، ومع ذلك نجح الإخوان فى تخطى المرحلة الأصعب من الانتخابات، وبقيت المرحلة الأسهل، وإن كانت الأهم والأخطر، الأمر الذى يلزم معه وضع خريطة طريق ليصل الشعب إلى كرسى الرئاسة، قد يكون الوضع مربكًا بالنسبة للبعض، لكن هذا الارتباك لن يستمر طويلا، وقبل أن نصل إلى الأسبوع الأخير من هذه المرحلة ستكون الصورة شديدة الوضوح بشكل نهائى وحاسم لصالح قوى الثورة. ما يجعلنى أصل إلى هذه النتيجة هو علمى بأن مرشح الفلول قد بذل أقصى ما لديه من جهد وحصل على أقصى ما يمكن أن يحصل عليه من أصوات، ومع ذلك جاء فى المركز الثانى، بينما مرشح الإخوان فى ظل أصعب الظروف من ضيق الوقت والهجوم الإعلامى الظالم وتشرذم القوى الوطنية وانقسام الصوت الإسلامى حصل على أقل ما يمكن أن يحصل عليه من أصوات، ومع ذلك جاء فى المركز الأول، مرشح الفلول ليس لديه جديد ولن يضيف إلى كتلته التصويتية ما يستحق الذكر، بينما مرشح الشعب قد استرد بالفعل الاصطفاف الإسلامى، وهو فى سبيله إلى استرداد الاصطفاف الثورى. إدارة المرحلة القادمة ينبغى أن يراعى فيها عدة أمور، أولها ألا نرتبك كثيرًا أمام الموقف المتخاذل من الليبراليين وألا نسرف فى الاجتهاد للحصول على رضاهم حتى لا يكون جهدا ضائعًا، فالشيوعيون والأقباط لا أمل فيهم وموقفهم محسوم لصالح الفلول، والناصريون يرغبون فى استثمار النجاح المفاجئ الذى حصلوا عليه رغم أن جانبا كبيرا من هذا النجاح يرجع الفضل فيه إلى الآلة الإعلامية للفلول التى عملت على تشويه صورة الإخوان بقصد اصطياد أصوات الكتلة الصامتة، وقد أصابت هدفها لكن الطائر الجريح سقط فى سلة حمدين صباحى، والتعامل مع الناصريين يجب أن يتم بعيدا عن الإعلام فى الغرف المغلقة تجنبًا لإحراجهم بعد أن عمدوا إلى أسلوب الصوت المرتفع والشعارات المتشنجة، كما أنصح بعدم التسرع فى إعطاء ضمانات مكتوبة أو التوقيع على ما أسموه بوثيقة العهد، ليس قبل مطالبة الطرف الآخر بعرض الإمكانيات التى يمكن أن يقدمها لنا، وتأخير هذا التوقيع إلى الأيام الأخيرة قبيل التصويت ليكون له أفضل الأثر مكتفين فى المرحلة الحالية بما تم إعلانه شفاهة من ضمانات. أما الجهد الأكبر فينبغى توجيهه إلى تنظيم الصف الإسلامى واستغلال كامل طاقاته الفاعلة، لا ينبغى أن يقف الأمر عند حد التأييد وإعطاء الصوت، وإنما ينبغى الحشد بكل ما تحمله الكلمة من معان، يجب أن تعلم القوى الإسلامية أن هذه المعركة هى معركة حياة أو موت، نكون أو لا نكون، فليعتمدوا على أنفسهم ولا يأبهوا بمن باع أو خان، وليذكروا قول الله تعالى "لو كانوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم". [email protected]