خلال مأدبة عشاء أقيمت بالقنصلية المصرية بإسطنبول مؤخراً لوفد برلمانى مصرى وعدد من رموز الجالية المصرية بتركيا، وجدنا أنفسنا، بدون أن ندرى، نتحدث فجأة فى مسألة البلديات والحكم المحلى ودورهما فى خروج مدن وقرى مصر من كبوتها وتخلفها الشديد طوال عصر الحكم العسكرى والدولة الأمنية. ذلك أن الرئيس أو رئيس الوزارة والوزراء وأعضاء البرلمان والشورى ليس من عملهم الانشغال بمشاكل محلية يومية، لأن عملهم سياسى يتعامل مع سياسات عامة لكن رؤساء البلديات ومجالسها هم أهل الاختصاص. أشار الدكتور صالح سعداوى - باحث مصرى بمركز الأبحاث الإسلامى بإسطنبول - إلى أهمية العناصر الشابة والمخلصة فى التقدم للقيام بدور فعال فى حل ومعالجة القضايا المزمنة للمدن والقرى المصرية، محذرًا من عدم وجود أى فائدة تنتظر من تبوء عناصر كبيرة العمر، المنهكة فكريًا وصحياً، دورًا جديدًا فى المنظومة المنتظرة للبلديات والحكم المحلى. وقد أصاب صالح سعداوى فى توضيح هذه النقطة الهامة ودعوته للتوقف عن العصبية للعائلة والقبيلة السائدة فى المراكز البلدية والمحليات، خاصة فى القرى والريف والمحافظات الصحراوية، لأنها كانت أهم أسباب فساد وتخلف العمل البلدى فى مصر طوال عشرات السنين، فى وقت يتطلب العمل البلدى الكفاءة والقدرات الشخصية والصدق وطهارة الأيدى وبرامج تطبيقية مدعومة من أهل الناحية أو القرية أو المدينة والمحافظة. السفيرة وفاء الحديدى، قنصل عام مصر بتركيا كانت متفقة مع الجميع على الأهمية القصوى لدور العمل البلدى والمحليات فى تقدم أصحاب الهمم والعزيمة والوطنية المخلصة، مع الكفاءة العلمية والقدرة على ابتكار الحلول والتعامل مع مشاكل الواقع بحكمة وطلب مشورة العلماء والخبراء. أتذكر هنا كيف كانت المنطقة التى أسكنها بإسطنبول منذ سنوات، تعانى طوال 15 سنة - تعادل 3 دورات للحكم البلدى – من الإهمال، غير أن تعديلاً فى قانون البلديات، قاما به حكومة وبرلمان العدالة والتنمية، قاد إلى توسيع نطاق وحدود بلدية المنطقة، بحيث ضمت 4 بلديات فرعية لمناطق سكنية ضيقة، لتتحول لبلدية واحدة، وسمح للجمهور بإسقاط رؤساء تلك البلديات الذين أهملوا تنمية مناطقهم، وفاز شاب مهندس برئاسة بلدية "بايليك دُوزُو" التى ضمت البلديات الأربعة وينتمى للعدالة والتنمية. والحال أنى أرى يوميًا منذ انتخاب البلديات الأخيرة بلدوزرات ولودرات وناقلات وأعمال حفر وردم ورصف وتعديلات وحافلات نقل ركاب متطورة، وتشجير ودهانات للطرق ولوحات إرشادية مرورية وبأسماء الشوارع والأزقة مع خدمات جديدة، بل ويتم حالياً الانتهاء من مشروع مد خط ال"متروباص" – حافلات مفصلية حديثة تسير فى مسار منفصل عن طريق السيارات - من منطقة أوجيلار لبايليك دوزو بغرب إسطنبول، بطول حوالى 5كم لخدمة منطقة سكنية حديثة، وكانت عملية مد الخط المذكور ضمن برنامج ووعد انتخابى للمرشح الشاب. وأود تذكير القراء الكرام بأن وسائل الإعلام التركية تتحدث هذه الأيام عن تعديلات جديدة فى قانون البلديات، يسمح بسلطات أوسع لرؤساء البلديات العامة – عمدة المدينة - فى المحافظات الكبرى، وزيادة عددها من 16 محافظة كبرى إلى 29 محافظة، وأن تنقل صلاحيات وشئون المطافئ والنقل والإسكان وضبطية البلدية لصلاحياته. مصر إذن تحتاج لتعديل فى قانون البلدية والمحليات يعطى صلاحيات ومرونة أوسع وحقيقية لرؤساء بلديات والمدن والمراكز السكنية والمديريات والنجوع والقرى مع إعادة تقسيم نطاق المناطق بشكل مناسب، وتخفيف قبضة وزارة المالية عن رسوم ومداخيل البلدية لكى تتمكن مجالسها من تنفيذ برامج تنموية فعلية، مع ضرورة إلغاء منصب وزير الحكم المحلى لأن الحكم المحلى والبلديات عبارة عن حكومة مصغرة فى منطقتها، تستمد قوتها من إرادة شعبية عبر انتخابات، ومن هنا لا يجوز الوصاية عليها من وزير أو حكومة أو حتى الرئيس ويكفى قيام الجهات الرقابية المختصة بدورها. وفى النهاية، يأتى دور الشعب فى اختيار العناصر الطيبة والمخلصة صاحبة السمعة والعلم والمهارات والبرامج والتى ترشحها الأحزاب السياسية أو يتقدم لها شخصيات مستقلة، متجنبًا ومستبعداً العناصر الفاسدة المنتمية للنظام المخلوع.