ليست الانتخابات التى تشهدها مصر الآن مجرد أول تجربة من نوعها فحسب، بل هى – فى نظرى- انتخابات (وعى) قبل أن تكون انتخابات رئاسة؛ فإن النظام الذى ظل جاثمًا على قلب البلاد والعباد يحكم بالحديد والنار أُزيح، بعد فضل الله، بوعى العقل الجمعى للجماهير، وصموده أمام عجرفة النظام وعصاه الغليظة، وهذا الوعى المشار إليه سيدخل اختبارًا قاسيًا فى الانتخابات الحالية، ليثبت أن إفرازه لثورة 25 يناير كان نتيجة تراكمٍ معرفى شكّل هذا الوعى وأوصله إلى ما أوصله من إنجاز، أو يثبت أن إنجاز 25 يناير كان مجرد نشوة فى العقل الجمعى ما لبثت أن خبت جذوتها وانطفأت شعلتها. إن انتخاب الفلول أو المحسوبين على النظام البائد معناه النتيجة الثانية، وإن الوعى كان مجرد نشوة طارئة استطاع النظام أن يسايرها ويحتويها ويخادعها ويختالها إلى أن دفع ببعض رجاله ليمسكوا بزمام الأمور، ويعيدوا النظام بأيديولوجيته البوليسية وسياسته اللصوصية الانتهازية؛ ليزرع الخوف والرعب والفساد والرشوة والنهب، وأن كل ما حدث لذلك النظام منذ عام لا يعدو أن يكون جولة خسرها فى معركته مع الشعب، وقد استطاع إعادة ترتيب أوراقه وهيكلة بنائه المتصدع مرة أخرى حتى رجع إلى مكانه الأول. أما فى حالة ما واجه الفلول هزيمة جديدة فى الانتخابات الرئاسية فمعنى ذلك سقوط النظام إلى غير رجعة، وأن الوعى الذى أفزر ثورة يناير قد صار ثقافة أصيلة فى العقل الجمعى، لم تفلح إمبراطورية الفلول الإعلامية فى تشويهها عبر عمليات النصب والاحتيال والمخاتلة بتلميع الفلول ومهاجمة منافسيهم من المرشحين الوطنيين. ويعنى أيضًا: أن عهدًا جديدًا يريد المصريون أن يعيشوه لا مكان فيه لحكامٍ لصوصٍ يسرقون ثروات الوطن ويبيعون ثرواته فى السهرات الخاصة. كما يعنى: أن نظرية "الوطن العزبة" التى تجعل من البلاد عزبة يمتلكها الحاكم وحاشيته قد محيت من معجم الحياة السياسية المصرية، وأن دولة الزنازين والأقبية وسلخانات الموت لمعارضى النظام، و"وراء الشمس"، الذى ينتظرهم لم يعد وجود فى مصر الجديدة. ويعنى كذلك: أن حملة المباخر ولاعقى أحذية الحكام من الصحفيين والإعلاميين ونحوهم الذين يجعلون من المستبد الظالم الغاشم السارق عادلا ديمقراطيا نزيها، تقال فيه الأشعار وتغنى فيه الأغنيات – قد كسد سوقهم وبارت تجارتهم الخسيسة بعدما سقط النظام ومنافقوه سقوطا لا قيام لهم بعده. ويعنى: أن إرثاً متراكماً من الفساد والرشوة داخل مؤسسات وأجهزة الدولة قد آن الأوان للتخلص منه، بعد أن تركه النظام ينخر فى جسد الدولة حتى كادت تتعرض للانهيار والسقوط. كل هذه المعانى وغيرها كثير يحملها عدم التصويت للفلول، وعزلهم عبر صندوق الاقتراع؛ لكن من المهم توضيحه أن المعركة ليست مقتصرة فقط على عزل الفلول وحرمانهم من أصواتنا الانتخابية، بل فى حراسة العملية الانتخابية بكل يقظة، وفى جميع مراحلها من أى محاولة للتزوير يقوم بها النظام لصالح فلوله، مهما كلفتنا هذه الحراسة؛ لأن معنى ذلك أننا - ليس فقط - صرنا على معرفة تامة بحقوقنا ومصالحنا، بل إننا صرنا قادرين على حماية تلك الحقوق والدفاع عنها والتصدى لمن يحاول سرقتها مهما تعددت حيله فى ذلك. إسقاط الفلول وحراسة نزاهة العملية الانتخابية هما جسر العبور إلى مصر الجديدة. [email protected]