فى الثورة الرومانية، التى شهدتها القارة الأوروبية أواخر القرن الماضى، عبر كثيرة لا بد من تأملها لفهم واقع حالنا أو رؤيته بموضوعية، لعل أهم ما أود الحديث عنه فى شأنها فى مقالى هذا، الدور الفعال الذى أدته المؤسسات والقوى الوطنية، وتحديدًا الجيش والنيابة العامة، فى حق شعب الثورة وأهدافه، التى منها مقاومة النظام الفاسد وأذنابه. سأبدأ فى ذلك بجيشها الفاضل، شهادة التاريخ الأوروبى له هى أنه كان رجلاً فى المواقف، فما إن بلغه خبر ضرب أمن الدولة النار على متظاهرى تيميسفارا (Temesvár)، ثانى أكبر مدينة رومانية، فى منتصف ديسمبر، لعام 1989، فقتل فوق الخمسين مواطنًا، حتى ضم نفسه بكل قوته إلى شعبه لمقاومته الطاغية نيكولاى تشاوشسكو (Nicolae Ceasescu)، الذى قومه وسلطه عليه لقتله أو قل كتم صوته، لم يشاور العسكرى فى ما فعل المسئولين عن الدولة، ولم يذهب إلى رأس النظام الفاسد ليناقش معه سبل الخروج من الأزمة التى كان هو سببها، بل احتكم فى ذلك إلى ضميره وفطرته الزكية، فأدرك بها واجب التصرف فى حق الأزمة الوطنية، ألا وهو دفع الباطل والأذى عن شعبه ومقاومة عدوه جنبًا إلى جنبه، فكان أن قاتل أمن الدولة، وأن اعتقل فى 22 ديسمبر رأس النظام الفاسد، تشاشسكو وحرمه، ليحيلهما مباشرة إلى محكمة عسكرية - لا مدنية، تحاكمهما على جرائمهما التاريخية، التى مارسوها فى حق الشعب والدولة. هذا ما كان من المجلس العسكرى الأمين، الذى استحق أن يسجل له حسن صنيعه من شعبه بماء الذهب على صفحات التاريخ، أما عن دور النيابة العامة العسكرية فى الأزمة الوطنية، فما تأخر أو تردد هو أيضًا عن أداء واجبه، بل تعجل فى ذلك النائب العسكرى العام دان فوانى (Dan Voinea) إلى وزير الداخلية تيودور بوستلنيكو (Tudor Postelnicu)، ليعتقله فى مكتبه، ليعلن فور ذلك على الملأ خبر نهاية العهد البائد. لقد أحسن النائب العام صنعًا فى ما وكل به؛ إذ التزم بالوقت المحدد فى تحضير الدعوى المنظورة ضد الرئيس وحرمه، فكان أن رفع فى 25 ديسمبر فى قاعة المحكمة العسكرية التهم التالية الواجبة فيهما: - الإبادة الجماعية لشعب رومانيا أثناء الثورة والعقود السابقة لها. - تدمير نظام الدولة. - تحريض الجيش على شعبه (أثناء الثورة). - تدمير اقتصاد رومانيا. - إثراء نفسه وزوجه بنهب ثروات شعبه، وتهريبها على حسابات خاصة له خارج الدولة. بدأت الثورة الرومانية فى منتصف ديسمبر لعام 1989، وانتهت بتاريخ 25 من ذاك الشهر بالمحاكمة العسكرية العاجلة المنظورة ضد الرئيس وحرمه، التى لم تستغرق أكثر من 30 دقيقة، لتصل إلى الحكم الوحيد الذى يستقيم فى أمر الخائنين لعهدهما، ألا وهو الإعدام. وهو ما تم بهما فور النطق بالحكم، فانتهى على ذلك فصل كريه من تاريخ أمة، عانت لعقود الشقاء ممن لا يملك ذمة، فاستقر بذلك حالها، بفضل جهود جيشها ومؤسساته الفاضلة فى زمن قياسى.. وهو الواجب فيه، هكذا يتم إحقاق العدل والسلام.. بالأفعال لا بالوعود الزائفة أو بالمماطلة التى بها تضر المصلحة. المضحك المبكى فى ما ذكر عن الثورة الرومانية، أنها اعتبرت بسبب عدد قتلاها الذى بلغ الألف، الثورة الأكثر وحشية فى تاريخ العهد الحديث للقارة الأوروبية، فماذا نقول نحن عن قتلى الاحتلال والثورات العربية والإفريقية؟ مات فيها مئات الآلاف، ويذبح فيها كل يوم المئات، فى العراق وسورية ومصر والجزائر و.. و.., طلبًا للحرية والعدالة الاجتماعية، ولا يتحرك فى شأنهم ال"مسئولون عنها" أو المتحدثون باسمهم فى المؤتمرات الدولية. صدق رسول الله لما حدثنا عن آخر الزمان فقال عنه، إن من شواهده ضياع الأمانة، كونها ستوسد لغير أهلها، أليس ذلك ما نشهده اليوم ممن "يرعى" مصالحنا؟ فيا ترى هل سنجد فى العالم العربى والإفريقى مؤسسات فاضلة ترفع دعوى نبينا على من فرطوا بحقوقنا وضيعوا مصالحنا وأخروا تقدمنا ونهضة أى حال فينا؟؟؟ [email protected]