انتهت الانتخابات التشريعية الأخيرة بفوز الإسلاميين بنسبة كبيرة تجاوزت السبعين بالمائة من مجموع الأصوات، حصد الإخوان منها حوالى أربعين بالمائة، وحصد السلفيون ما يقارب الثلاثين بالمائة، بينما حصلت الأحزاب الأخرى مجتمعة على ثلاثين بالمائة، هذه النسب قالت عنها مؤسسة جالوب الأمريكية وقتها إنها نسب خادعة وغير حقيقية لأنها تأثرت بظرف إجرائها فى أعقاب الثورة مباشرة، ورغبة الشعب فى تعويض التيار الإسلامى عن سنوات الظلم التى تعرض لها فى ظل النظام السابق، كما تأثرت بغياب المنافسة الحقيقية والجادة من الحزب الوطنى الذى اعتزل تقريبًا عن هذه الانتخابات، وتقول المؤسسة إنه حينما تجرى الانتخابات فى المستقبل فلن يسيطر الإسلاميون مجتمعين على أكثر من 20%، كما لا يملك الحزب الوطنى وكل التيارات الأخرى مجتمعة أكثر من 20% أخرى، وهناك 60% من الناخبين غير مُسيسين ويمثلون كتلة متحركة تصوت لهذا الفصيل تارة، وللفصيل الآخر تارة أخرى. وسواء اتفقنا مع هذه الأرقام أو اختلفنا معها فإن هناك حقائق لا يمكن إغفالها ويتعين أخذها فى الاعتبار: 1 - أن القطاع الأكبر من أصوات الناخبين بالفعل ينتمى إلى الفئة غير المرتبطة بأى أفكار أيديولوجية محددة، وأن هذه الكتلة التصويتية الضخمة قادرة بمفردها على إنجاح أى مرشح أو إسقاطه، وهى تتأثر تأثرًا شديدًا بما يقدمه الإعلام الفاسد، وبظاهر الأحداث الجارية دون التعمق فى حقيقتها أو الأسباب المؤدية إليها. 2 – أن النظام السابق يخوض الانتخابات الرئاسية باحترافية جادة وحقيقية ويلقى فيها بكامل ثقله باعتبارها رهانه الأخير، والأمر بالنسبة إليه مسألة حياه أو موت، وفى الوقت الذى كانت القوى الثورية تتصارع فيه حول أمور تافهة، كان النظام السابق يتحرك بشكل جاد ومثابر نحو تكفير الكتلة التصويتية المتحركة بالثورة والثوار وعلى الأخص القوى الإسلامية، بداية بالسلفيين ثم مرورا بالإخوان وانتهاءً بمجلس الشعب بأكمله، والناس يصدقون ذلك كله متأثرين بالإعلام الفاسد، وبالأزمات التى تتزايد يومًا بعد يوم حتى يقول أمثلهم طريقة ماذا فعلت بنا الثورة غير المزيد من الفقر ونقصان الأمن، كما أجرى المجلس العسكرى مصالحات مريحة مع العديد من قيادات رجال الأعمال ممن نهبوا أراضى الدولة، وذلك من خلال مرسوم بقانون كان قد أصدره قبل انعقاد مجلس الشعب، فكسب النظام السابق فى صّفه كل رجال الأعمال تقريبًا بما يمثله المال من ثقل فى الانتخابات. وأخيرًا، وليس آخرًا، استخدم المجلس العسكرى المادة 28 فى التخلص من أهم المرشحين المنافسين الشاطر وأبو إسماعيل. 3 – إن القوى الثورية تدخل الانتخابات فرادى دون التوافق على مرشح ثورى واحد يتوافقون عليه ويخوضون به معركة مشرفة، بل على العكس فقد مزقوا أنفسهم كل ممزق، بداية حزب الوفد خرج مبكرًا من حسابات التصويت الثورى وأضيف إلى حسابات النظام السابق بتأييده لعمرو موسى، وبنظرة سريعة على التيار اليسارى والاشتراكى نجد أن لهما فى الساحة أربعة مرشحين: صباحى وخالد على والبسطويسى والحريرى، ولأن فرص فوزهم ضئيلة ومع إصرارهم فى الاستمرار فى الترشح يتعين أيضًا حذفهم من حسابات التصويت الثورى، وأما عن الحالة الإسلامية حدث ولا حرج، تشرذم وانشطار وغرور بقوة موهومة وغير حقيقية، تقديم للذات على مصلحة الدين والوطن، لا تجد شخصًا واحدًا لديه استعداد للتضحية بالمنصب من أجل المصلحة العامة، الوقت شديد الضيق ونحتاج إلى إقناع نصف الكتلة التصويتية العائمة على الأقل حتى تكون لدينا فرصة للمنافسة. أخيرًا، أنا متفاءل بطبعى، غير أن تفاؤل الدنيا كله لا يكفينى لتجاوز المشهد الانتخابى الماثل، الحل الوحيد عندى هو تكوين مجلس رئاسى يكون فيه حمدين صباحى نائبًا وأحد المرشحين الإسلاميين نائبًا والآخر رئيسًا، وإذا سألتنى كيف يمكن إقناع أحد المرشحين الإسلاميين بقبول منصب النائب؟ أجيبك على الفور بأن هذه المسئولية معلقة فى عنق الأحزاب السلفية وعلمائها، لا يقدر عليها سواهم إذا تجردوا عن الهوى واستعانوا بالله. [email protected]