عندى بعض الملاحظات على نتائج المرحلة الأولى للأنتخابات البرلمانية والتى اسفرت عن نوع من التفوق للتيار الأسىلامى. اول ملاحظة ان الشعب المصري سابق للسلطة الحاكمة بمراحل ويستطيع ان يفرز الخبيث من الطيب وقد اظهرت نتائج الأنتخابات كيف ان الشعب بمفرده اقصى فلول الحزب الوطنى ولم نعد فى حاجة الى الضغط على المجلس الأعلى من اجل قانون العزل السياسي. ارجو ان تلاحظوا ان قانون العزل السياسي فى صورته الحالية لا يمكن معه عزل اى فاسد لأن المفترض ان يتم تقديم شكوى الى جهة التحقيق ثم اثبات ان المشكو فى حقه فاسد ومن ثم يتم عزله بعد التحقيق القضائى معه، بمعنى آخر فى المشمش، والدليل: نزلاء طره الذين ملئوا الحياة نهبا وفسادا ومع هذا لم يصدر احكام الا على القلة القليلة منهم. الملاحظة الثانية بخصوص الأحزاب التى كانت جزء من ديكور النظام السابق، كالوفد والتجمع والناصرى والجبهة والغد وغيرها. فقد اظهرت نتائج المرحلة الأولى عن هشاشة هذه الأحزاب وانها احزاب كرتونية بالفعل ولا تمثل شيئا. الكثير من هذه الأحزاب ادخل اعضاء سابقين من الحزب الوطنى على قوائمه او مرشحيه من العمال والفئات ومع هذا فشلوا فى الحصول على اى نجاح بل انقلب الناس عليهم وتم معاقبتهم فى نتائج المرحلة الأولى. تجدر الأشارة الى ان السيد على السلمى صاحب الوثيقة الدستورية المطعمه بصلاحيات واسعة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة والذى كان يشغل نائب رئيس الوزراء هو ايضا عضو اللجنة العليا لحزب الوفد. الملاحظة الثالثة، ان المصريين ذهبوا الى الأنتخابات بأعداد فاقت التوقعات وزادت عن نسبة المشاركة فى الأستفتاء والتى كانت حوالى 40%، اما فى حالة الأنتخابات البرلمانية فأن العدد وصل الى 62% من اجمالى المواطنين الذين لهم حق التصويت بالمرحلة الأولى والبالغ عددهم حوالى 13 مليون نسمة واذا استمر الآداء على هذا المستوى فليس من المستبعد ان نصل الى مشاركة تناهز 80% فى انتخابات الرئاسة. نزول 8 مليون نسمة للتصويت يفيد بأننا جاهزون للديمقراطية واننا نعرف كيف نمارس الحرية والتعبير عن الرأى واننا لسنا اقل من غيرنا من الدولة المتقدمة (فى عملية الأنتاج) واننا ماضون على الطريق لنلحق بركب تلك الدول فى سباق الحضارة والتحضر. اعرف ان من بين ال8 مليون صوت عندنا حوالى نصف مليون صوت باطل! هذا لا يقلل من شأن الناخبين ولكن يضع علامات استفهام كثيرة حول طريقة اجراء الأنتخابات ويجب عمل دراسة سريعة من اجل تلافى هذا العدد الكبير من الأصوات الباطلة والمرشحه للأرتفاع فى المرحلتين المقبلتين. الملاحظة الرابعة، ان تصويت المصريين فى الخارج (بالرغم من قلة العدد) جعل المصريين فى الخارج والداخل يشعرون بالفخر. نحن نمارس حقنا فى الأختيار سواء كنا داخل او خارج مصر بعد ان كنا محرومين من هذا الحق سواء بالتزوير اوالتضليل او البلطجة وكنا كلما ذهب نفر منا الى الأنتخابات يشعر من النتيجة وكأن هناك من يصوت غير المصريين. الحمد لله ان اصبح لنا صوت يعتد به ثم بعد حمد الله نشكر الثورة التى جعلت المستحيل يتحول الى امر مباح امام الكل. يبقى فى هذا الصدد ان ننبه الى ان قلة عدد المصوتين من الخارج (حوالى 330 الف من اصل حوالى 9 مليون) هو امر بحاجة الى مراجعة! بالطبع الوقت لم يكن كافى والأجراءات كانت مملة وبها بعض العناد البيروقراطي والممانعة الأمنية حتى اننا سمعنا تسريب عن احد قيادات المجلس الأعلى يقول ان الأصوات بالخارج يمكن شرائها (على اساس ان الناس بره عندها نقص فى الزيت والسكر). الملاحظة الخامسة، ان الدعاية الأنتخابية المصاحبة للأنتخابات والتى بدأت بالتهنئة بعيد الأضحى ثم انفجرت مثل الفيضان وملئت الشوارع والميادين لم يكن فيها تجاوزات كبيرة. كل الناس استطاعت ان تعمل دعايتها بدون منع من الأمن او ما شابه على الرغم من وجود بعض الأحتكاكات و تمزيق اليفط بين مرشح وآخر وعلى الرغم من الدعاية المكثفة من داخل دور العبادة. لكن مع هذا مرت العملية بسلام. الذى لم يمر بسلام هو التمويل! لم نفهم كيف استطاعت الأحزاب الأسلامية السلفية من فتح كل هذه المقرات فى مدن المرحلة الأولى (يقال ان هناك حوالى 40 مقر فى الأسكندرية بمفردها) ومن اين اتت هذه الأحزاب بالأموال؟ هل لقطر علاقة بهذا الموضوع؟ الشاهد ان هناك اتهام صريح اطلق من اللواء الرويني قائد المنطقة المركزية بأن 6 ابريل وكفاية وغيرها من قوى الثورة تتلقى تمويل من الخارج، ثم بعد ان تم عمل لجنة لتقصي الحقائق اتضح كذب ادعاءات الرويني وصدق 6 ابريل، ثم زادت اللجنة وقالت ان التيار السلفى تلقى تمويلا من الخارج! فماذا فعل المجلس الأعلى بهذه النتيجة؟ وهل تم رصد تأثير هذه الأموال على العملية الأنتخابية؟ الملاحظة السادسة، ان الأحزاب الجديدة اصبح لها وجود حقيقي. مثلا حزب الوسط بدأ مع حزب الكرامة معاركهما منذ أواخر التسعينات وبعد الثورة المصرية اصبحا حزبان معترف بهما وشرعيان. الوسط سبق الكرامة واثبت وجوده لكن الكرامة لم تستطع ان تصمد بمفردها كالوسط ودخلت فى تحالف مع الحرية والعدالة ليضمن نفس عدد المقاعد الذى كان يحصدها بمفرده قبل الثورة! امر عجيب ان يتحالف حزب ناصرى مع حزب اسلامي من اجل مقاعد البرلمان، فى حين ان فرصه كان من الممكن ان تتحسن لو نزل المعركة مستقل كحزب الوسط! الأمر بعينه ينطبق على حزب الغد الليبرالى الذى تحالف مع الأخوان! على الناحية الآخرى، ظهرت احزاب مثل العدل وتحالف الكتلة و تحالف الثورة مستمرة ووجدوا لأنفسهم مقاعد فى البرلمان و اصبحوا معبرين عن الشارع السياسي المصرى الثائر والذى يشمل تيارات الوسط واليسار والتيار الليبرالى... يذكر ان تحالف الثورة مستمرة حقق نجاحات بأكثر مما هو متوقع بالمقارنة بتمويله الضعيف وقلة خبرة اعضائه فى ادارة المعارك الأنتخابية فهم قادمون من الميدان ومعارك الخرطوش والملتوف والمواجهات الصريحه الى معارك السياسة والدهاء والتحالفات و الترتيبات من اعلى و اسفل الطاولة ومع هذا حققوا نجاحات بأكثر من المتوقع ولم يصمد امام تقدمهم مقولات على وزن "الناس مش طايقة التحرير". الكتلة بسبب التمويل وامتلاك اعضائها خبرات سابقة فى المعارك الأنتخابية أهلتهم للوصول الى الناس وعرفوا كيف يحصودوا اصوات تؤهلهم ليصبحوا من الأحزاب الكبرى فى البرلمان القادم وهم يمثلون التيار الليبرالى. اما حزب العدل (الشبابى) فقد اثبت وجوده فى المرحلة الأولى واصبح من اللاعبين الجدد فى الحياة السياسة المصرية حتى وان كان تمثيلة أقل من الكتلة بكثير، ولكنه اصبح له وجود حقيقي وهو خير من يمثل التيار الوسطى. الملاحظة السابعة، ان احزاب الحرية والعدالة والنور، الممثلان الأبرز للتيار الأسلامي ومعهم حزب الوسط، بينهم من التنافس مثل باقى الأحزاب. ليس معنى انهم من التيار الأسلامي انهم متحالفون فى كل كبيرة وصغيرة. هناك خلافات فكرية واسعة بين هذه الأحزاب. الشاهد، انه لا يوجد نظام يسقط بنظام وان حسنى مبارك لم يكن يملك حزب ولكن كانت شرعيته مبنية على الشرطة التى كسرت يوم جمعة الغضب فى 28 يناير. منذ سقوط النظام الأمنى لمبارك، اصبح من البديهي ان يحتل التيار الأسلامي صدارت المشهد السياسي، ليس عن جدارة ولكن بطبيعة الأشياء، فهم الكتلة الوحيده الجاهزة للعمل الفورى وبالتالى حصدوا نسبة تقارب ال50% من نتائج المرحلة الأولى للأنتخابات. لآحظ ان هذه النسبة ليست نهائية لأن حساب الكسور فى القوائم مازال غير واضح. مثال: لو افترضنا ان الدائرة بها 100 الف صوت وان القائمة بها 5 اسماء، اذا ثمن المقعد الواحد هو 20 الف صوت (100 الف على 5 )! فماذا ستكون النتيجة لو حصدت قائمة حزب 39 الف صوت فى حين حصد الآخر 21 الف صوت. الأجابة: مقعد واحد لكلاهما ثم يترك حسم الكسور الى اللجنة القضائية العليا. حدث امر مشابه فى تونس وكانت النتيجة ان حزب النهضة حصل على 55% من الأصوات الشعبية لكن عدد مقاعدة لم تتعدى ال42% من البرلمان. الملاحظة الثامنة، ان نتائج الأنتخابات هى اول خريطة سياسية نهتدي بها فى بر مصر وان كانت هناك خرائط سابقة فأنها خرائط تخص امن الدولة (هذا ان كانت سليمه وليست ملفقه). لذلك اشعر اننا محظوظون لنرى بأعيننا ونفهم كيف يفكر العقل الجمعى لمصر والمصريين. يخطئ من يظن ان شرعية البرلمان ستفوق شرعية الميدان لأن البرلمان مازال يحبوا فى حين ان ضغط الميدان اكثر نضجا و كفائة. البرلمان له لوائح ونظم واغلبية واقلية وحساب موازين القوى والتحلفات السياسية. هذا بجانب ان البرلمان له ايضا سقف للعمل منصوص عليه فى الآعلان الدستورى. اما فى حالة الميدان، فالسماء هى الأفق وفى كل مرة اجتمع المصريون فى الميدان، كانت النتيجة هي حصولهم على ما يريدون، فلنرى اذا كان البرلمان على نفس القدر والقدرة ام انه لا يرقى لتمثيل مصر 25 يناير. الملاحظة التاسعة، تجدر الأشارة بقوة الى ان الكتلة والحرية والعدالة والنورلا يوجد بينهم خلاف على نوع الأقتصاد. كل هؤلاء مجتمعون على اقتصاد السوق الحر حتى بعد الكوارث التى يشهدها العالم الآن من آليات اقتصاد السوق الحر الذى اثبت بالتجربة مرة تلو الآخرى ان السوق لا يوجد به يد خفية تضبط الأسعار والآداء وانما به يد خفية تستنزف جهد الناس وحياتهم من اجل حياة افضل للأغنياء. اما عن الفقراء فلهم البرامج الأجتماعية التى يميل الرأسماليين الى الألتفاف عليها فى حين يود المتأسلمين ان يحولوها الى صدقات. استطيع ان اجزم ان الدارسيين للعلوم السياسية يدركون مدى التشابه بين توجهات التيارات الأسلامية فى مصر وتيار اليمين الجمهورى فى الولاياتالمتحدةالأمريكية. يبقى ان هذا الأدارك سيتحول بالتجربه والممارسة الى وعى عام لأن الناس فى بلادى لا تستفيد من القراءة بقدر انتباههم الى التجربة الحياتيه المباشرة. فى الختام، ارجو ان تكون هذه الملاحظات باعثة على الأطمئنان بعض الشيئ لأنى اجد الكثير من الناس قلقة من جراء نتائج المرحلة الأولى. ان لست قلق على الأطلاق وأرى ان تمييز الخبيث من الطيب بحاجة الى وقت ولكي تتضح الصورة امام كل الناس. هى الدنيا هكذا، تارة تأتيك بما تحب وتارة لا تأتيك. الشاهد ان كما يكون الناس يولى عليهم. بمعنى كما يكون استعداد الناس يكون طريقة الحكم لأن المجتمع يفرز الحاكم من نسيجه و كل وقت وله آذان. وانا ازعم ان الناس فى بلادى اختارت البديل الجاهز، ليس عن جهل ولكن عن استسهال. فالناس فى بلادي لا تريد ان تفكر كثيرا وتؤثر اللى تعرفه احسن من اللى ما نعرفوش،! و بعدين لسه حنقراء برامج! ثم ان الناس خلقها ضيق وترى ان 10 شهور على الثورة وقت طويل جدا و نحن بحاجة الى الأجابة النموذجية وخلاص واكيد الميري عنده النموذج! و أخيرا، نحمد الله ان مبارك كان منبطح لأننا لو دخلنا فى مواجهة مع اسرائيل بهذا المجلس الأعلى كان من الممكن ان نصل الى مأساة نموذجية لولا ان الشعب اقوى من حاكمه حتى لو لم يدرك. الملاحظة العاشرة اسف على الأطالة.. ونهاركم زى العسل.