نشرت يومية (ليبراسيون) الفرنسية يوم 2 يونيو الجاري مقالاً ل (جاك أمالريك) تحت عنوان: "حرب أفغانستان الثانية " جاء فيه: هل تتجه أفغانستان اليوم إلى السيناريو العراقي؟ طالما تهرّب الأمريكيون والأوروبيون من طرح هذا السؤال، ففي واشنطن كما في باريس ولندن كان يتم التلويح بالمثال الأفغاني كمثال للنجاح مقابل المستنقع العراقي، فهنا كان الانتصار على حركة طالبان المتهمة باحتضان تنظيم القاعدة انتصاراً سريعاً، على الرغم من الإخفاق في القبض على أسامة بن لادن والملا محمد عمر. إن وضع البلاد على طريق الديموقراطية وإعادة البناء ستتطلب وقتاً طويلاً بالتأكيد، ولكنهما وضعا على السكة، ألم يسارع الشعب الأفغاني إلى التصويت في انتخابات نهاية 2004 لتثبيت حامد قرضاي في منصبه الرئاسي؟ بعدما أنهت الولاياتالمتحدة مهمتها شرعت في التقليص من عدد جنودها المتواجدين هناك، أي حوالي (23) ألف جندي، ونقل المهمة إلى قوات حلف الناتو الذي يستعد اليوم لرفع قواته من تسعة آلاف جندي إلى ستة عشر ألفاً عن طريق قوات بريطانية وكندية وأسترالية وإيرلندية. لكن منذ عدة أسابيع بدأ هذا السيناريو المتفائل في الانهيار ليحل محله سيناريو آخر بالنسبة لوزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون حيث تم انتقاد السعي إلى التقليص من القوات الأمريكية العاملة في أفغانستان، فلم يسبق أبداً أن أدت المواجهات ما بين قوات التحالف وقوات الأمن والشرطة الأفغانية من جانب وقوات طالبان من جانب آخر إلى هذا العدد الهائل من القتلى؛ إذ بعدما كانت هذه المواجهات تتركز في المناطق البشتونية جنوب البلاد بدأت تنتقل اليوم إلى الشمال بل إلى العاصمة كابول نفسها التي خضعت لفرض حالة طوارئ إثر مواجهات استهدفت الأجانب بعد حادثة سير لعربة نقل أمريكية، من هنا كان ذلك التعليق لقائد القوات الأمريكية الذي قال: "من المهم القول بأن نفوذ حركة طالبان في عدد من المناطق في البلاد قد بدأ يقوى منذ نهاية العام الماضي". وهناك حقيقة أخرى يرفض الأمريكيون الاعتراف بها؛ فعلى الرغم من التكذيب المستمر للرئيس الباكستاني برويز مشرف لا تزال حركة طالبان تتمتع بدعم المخابرات الباكستانية التي تسمح لهم باستخدام مناطق الشمال الباكستاني كما تريد، ذلك أن رجال المخابرات الباكستانية وهي بمثابة دولة داخل الدولة لم ينسوا بعد جرح "ضياع" أفغانستان التي كانت تحت نفوذ طالبان، والتي كانت توفر لهم "عمقاً إستراتيجياً" في حال مواجهة محتملة مفتوحة مع الهند، وقد سمحوا لمقاتلي الجماعات الإسلامية الباكستانية بالانضمام إلى طالبان. إن تقوّي نفوذ طالبان يتزامن اليوم مع انتقال الصراع إلى السيناريو العراقي في المواجهات؛ إذ أصبحت السيارات المفخخة والغارات العسكرية والعمليات الانتحارية مشاهد يومية في أفغانستان. إلى جانب هذا هناك موضوع آخر يثير القلق، وهو التحالف المتناقض والتكتيكي الذي بدأ يحصل ما بين المقاتلين الإسلاميين وأعداء الأمس، أي أباطرة المخدرات. فبعد أن نسي هؤلاء أنهم أحيلوا على التقاعد أيام حكم طالبان عاد تجار الأفيون ليقاوموا من خلال ميليشياتهم الخاصة الحملات التي تشرف عليها الحكومة الأفغانية للقضاء على زراعة الحشيش بتحريض من الولاياتالمتحدةالأمريكية، من هنا فقد باتوا حلفاء موضوعيين لمقاتلي طالبان الذين استغلوا هذا الوضع لاستقطاب مقاتلين جدد من المزارعين الفقراء، الضحايا المباشرين لوقف زراعة الخشخاش. فتخريب زراعاتهم من قبل قوات الجيش يضعهم عل حافة الإفلاس؛ لأنهم لا يعودون قادرين على دفع ديونهم للملاكين الكبار الذين يشترون أراضي هؤلاء الصغار بأثمان مريحة، وهو ما دفع بالجنرال جيمس جونز قائد قوات الناتو في أفغانستان إلى التصريح أخيراً قائلاً: "ليست المشكلة انبعاث قوات طالبان، بل الارتباط بين الاقتصاد وإنتاج المخدرات، والجريمة والفساد، وأنشطة السوق السوداء هي ما يشكل الخطر الأكبر على أفغانستان". إن هذا المناخ الموجود في أفغانستان لا يعزز سلطة حامد قرضاي الذي يُطلق عليه -على سبيل السخرية والتعريض- لقب"عمدة كابول"، طالما أن نفوذه لا يتعدى حدود العاصمة. فبعد خمس سنوات على وضعه في منصبه لا تزال السلطة المركزية مجرد افتراض، ووجد الرئيس نفسه مضطراً للدخول في تفاهمات مع سادة الحرب ورؤساء القبائل الذين حافظوا على جميع سلطاتهم ونفوذهم، فكيف إذن يمكن الثقة في إعلان الرئيس بأنه سيقضي على جميع الميليشيات بنهاية العام 2007، مع أن من يقودون هذه الميليشيات هم أعضاء في الحكومة أو في البرلمان؟ غالبية الأفغان أصبحت قليلة الثقة أكثر فأكثر في احتمال استمرار الحكومة الحالية، وفي الإدارة التي يستشري فيها الفساد؛ لأنها عاجزة بل إنها غير موجودة في عدد كبير من الأقاليم، ويتوقف وجودها على القوات الأجنبية، وتعتقد غالبية السكان أن هذا القوس سيتم إغلاقه بالتأكيد قريباً؛ لأنهم لا يثقون في حزم قوات التحالف، وهم يعانون أكثر فأكثر من المضاعفات السلبية التي تتزايد مع اشتداد وطأة المواجهات العسكرية. المصدر : الاسلام اليوم