يبدو أن نتائج الانتخابات المصرية الأخيرة صدمت جهات عديدة في المجتمع المصري . من بين من أصابتهم الصدمة المؤسسة الإعلامية المصرية .فلقد تعامل الإعلام الرسمي مع هذا الحدث بفكر" الرداحين" لا بفكر المحللين المنصفين ويطيب لي في هذه السطور أن أحاول إلقاء الضوء على الطريقة التي تعامل بها الإعلام المصري مع الحدث. لقد فتحت وسائل الإعلام المصرية أبوابها على مصراعيها أمام عدد كبير من أصحاب المواقف مع الإخوان المسلمين . خرج علينا هؤلاء ليهيلوا التراب على فكر الجماعة ، وتاريخ الجماعة ، ومنهج الجماعة، ورموز الجماعة في محاولة منهم للحد من التعاطف الشعبي الجارف مع الجماعة .غير أن هذه المحاولات الإعلامية جاءت فجه ومثيرة للضحك والسخرية . بل وفي أحيانا كثيرة تثير الإشفاق على هؤلاء . فيبدوا أن الصدمة كانت شديدة والأوامر الصادرة بالتشويه كانت أشد . والمفروض أن الإعلام يخاطب رأيا عاما . والرأي العام المصري رأي عام يتمتع بمزاج حاد وساخر. من خصائصه أيضا انه لا ينسى أبدا .لكن القائمون على أمر الإعلام نسوا – أو تناسوا – هذه الحقيقة . كما نسوا أن الرأي العام المصري يلفظ هؤلاء الرداحين الذين كلفوا بتشويه الجماعة أمام الناس . الرأي العام المصري بينه وبين هؤلاء حساسية شديدة .هؤلاء في نظر الرأي العام ما هم إلا جيل الهزيمة وجيل النكسة .هم الجيل الذي جلب للبلاد الفقر والتخلف . هم كتيبة المسبحين بحمد الفساد والمفسدين في مصر . هم المطبلون والمصفقون والمهللون لكلام السلطان أيا كان . هؤلاء هم "ورنيش " كل نظام . هؤلاء هم الذين أدمنوا الجلوس على الكراسي الدوارة . يرتدون الياقات الزرقاء. يتطيبون بالبارفناتات الفاخرة. يتراقصون أمام الكاميرات. يشبكون أصابعهم. يتقعقرون في الكلام ، ينتقون الألفاظ الرنانة . بغية حبك رسالة إعلامية موجهة إلي الرأي العام هدفها العمل على تشكيل عقليته ضد الإخوان المسلمين . ولقد كان الهدف مفهوما واضحا وضوح تزوير الحزب الوطني لإرادة الأمة. ولكن الغير مفهوم هو مدى سذاجة الطرح الذي احتوت عليه هذه الرسائل الإعلامية.وكذلك السطحية التي انتهجها هؤلاء أثناء محاولاتهم البائسة لتشكيل العقل المصري في الوقت بدل الضائع . أن تشكيل عقلية الأمم لا يأتي في يوم وليلة . ولاياتي من الاستوديوهات، ولا يأتي على أيدي رموز ينبذها الرأي العام . كما انه لا يأتي بالأقوال. وهذا ما لم يفطن إليه حملة معاول الهدم ، وحملة سيوف الإرهاب الفكري عبر برامج الإعلام المصري . لقد نجح الإخوان المسلمون في كسب تأييد الشارع المصري بالأفعال وليس بالأقوال . فلنعترف أنهم اقرب إلي المواطن من مكتب المحافظ ، ومن مكتب مدير الأمن ، ومن مكتب رئيس المجلس الشعبي المحلي ، ومن مقر عضو مجلس الشعب الذي خطف أصواتهم واختفى وخرج ولم يعد - إن كان له مقرا صلا . إن هؤلاء الرداحين الذين صدعوا رؤوسنا في الإعلام المصري . كان عليهم بدلا من إهالة التراب على الجماعة . كان عليهم أن يبحثوا في أسباب فشلهم هم . أسباب فشل حزبهم الميمون ذو الشعبية كما يدعون، وذو الصلاحيات، وصاحب الخبرات ، ومن في يده الميزانيات . لماذا فشل هذا الفشل الزر يع ؟لماذا فشل المسؤلون والتنفيذيون والشعبيون والحزبيون بالقيام بواجبهم ؟ . كان من المفروض أن يتساءلوا عن أي من البرامج التي نفذها الحزب مع الجماهير . كان عليهم أن يتساءلوا عن عدد الأفكار التي قدمها الحزب لحل مشاكل البسطاء في الوطن .و كيف تعاطى مع مشاكل الناس طيلة السنوات الماضية ؟ كان عليهم- وبدلا من إهالة التراب على جماعة الإخوان المسلمين - أن يدرسوا أسباب فشل الحزب في الوصول إلى القواعد الجماهيرية ليضمد جراحهم ويخفف من آلامهم . كان عليهم أن يحلوا مشاكلهم هم أولا داخل حزبهم بدلا من استضافتهم للحديث عن مستقبل الأمة . ولا افهم كيف لمن فشل في بناء حزب أن ينجح في بناء امة . ففاقد الشيء لا يعطيه . إن محاولة الإعلام المصري عقب الانتخابات المصرية الدفع بكتيبة الرداحين لمحاولة وقف التأييد الشعبي الكاسح للجماعة إنما أتى بنتائج عكسية . وما زال الناس في كل مصر يتحدثون عن هذا البرنامج الذي أذيع ليلة بدء انتخابات المرحلة الأولى والذي استضاف عددا من حملة معاول الهدم وسيوف الإرهاب الفكري . ولقد أتى والله بنتائج لو انفق الإخوان المسلمون من أجل تحقيقها الملايين لما نجحوا في تحقيقها . فالرأي العام المصري أصبح لديه مناعة ضد افتراءات الإعلام الرسمي ضد هذه الجماعة . إن الجماهير التي تعيش وسط حقائق يلمسونها يوميا على الأرض، وافتراءات تهبط عليهم كل ساعة من الفضاء الإعلامي تستطيع أن تفرق بين الحقائق والافتراءات . وفيما بين الحقائق والافتراءات دائما ما تتولد المناعات . ومن باب الإنصاف وحتى لا تضيع الحقائق . فإن هناك وجوها عديدا أطلت علينا عبر شاشات وفضائيات محترمة . أثرت التجربة بعلمها وخبرتها ونقدهم البناء. شخوص غلب عليهم الإتذان والرزانة والنقد الموضوعي. هؤلاء لم نرهم يحملون معاول هدم ولا سيوف إرهاب . إنما قدموا لنا فكرا ، وآراء ونقدا ، وتصورات أنارت الطريق أمام الجميع بما فيهم جماعة الإخوان المسلمين . والتي يجب أن تتابع مثل هذه الآراء المتزنة والأفكار المستنيرة من اجل مزيد من تحقيق المكاسب. وكذا من اجل تجويد الواقع وتطويره . إن تشكيل عقلية الشعب المصري لم ولن تحصل أبدا على يد حملة معاول هدم ولا حملة سيوف. فالشعب المصري من الوعي بدرجة تجعله يميز بين الغث والثمين ، بين من يصلح ومن يفسد ، بين من يتكلم ومن يعمل ، بين من يعطي ومن يأخذ ، بين من يحمل معاول الهدم وبين من يحمل أدوات البناء ، بين من يحمل السيوف من أجل الألوف وبين أصحاب الأفكار الذين ينيرون طرق المعترك الوعرة .