يقال إنّ هناك صدامًا قريبًا بين المجلس العسكرى والإخوان بعد البيانات الحادّة المتبادَلة بين الطرفين مؤخّرًا، وأنّ الصّدام يمكن أنْ يكون على غرار ما حصل بين مجلس قيادة الثورة وبين الإخوان عام 1954، الذى انتهى بالعصْف بالإخوان وزجّهم فى المعتقلات، بل الأزمة عصفت بفكرة الدّيمقراطيّة ذاتها، وبالرئيس محمد نجيب، وبمن أراد من ضبّاط يوليو عودة الجيش للثُكنات وعودة الحياة الحزبيّة والدّيمقراطيّة. فى 54 حصل أيضًا أن تعرّض جمال عبدالنّاصر لمحاولة اغتيال فى ميدان المنشيّة بالإسكندريّة، ويقول الإخوان: إنّها تمثيليّة من تدبير عبدالنّاصر نفسه كان هدفها إعطاءه ذريعة قويّة لقمعهم والتخلّص من خطرهم الشعبى عليه حتى تخلو السّاحة له لتحقيق طموحه باحتكار السّلطة، وبالفعل تعرّض الإخوان للنكبة الأولى فى هذا العام خلال العهد النّاصريّ، تلتها النكبة الثانية فى عام 1965، وما حصل تجاههم من اعتقالات وتعذيب ومحاكمات عسكريّة صوريّة وإعدامات مدان بالطّبع وهو وصمة عار فى عهد عبدالنّاصر.. كما أن التّنكيل بالشيوعيّين وغيرهم وأصحاب الرأى الآخر حتى من داخل النّظام نفسه وتكميم الأفواه والقهر والقمع وزوار الفجر فى دولة المخابرات والاستبداد هو وصمة عار أيضًا ولا يبرئ عبد الناصر اهتمامه وإنجازاته فى قضيّة العدالة الاجتماعيّة والتّصنيع والتّنمية. لكنْ هل سيناريو 54 ممكنًا الآن؟. أعتقد أنّه من الصّعب العودة للوراء لأن ما حصل فى 23يوليو 1952 كان انقلابًا عسكريًّا أحكم من خلاله الضّبّاط قبضتهم على مصر والانقلاب تحوّل لثورة بسبب الالتفاف الشعبى حوله وكان للإخوان دور بارز فى توفير الغطاء الجماهيريّ، أما ما حصل فى 25 يناير 2011 فقد كان ثورة شعبيّة لا فضل فيها للمؤسّسة العسكريّة، بل إن تلك المؤسّسة استفادت منها فى تحقيق أهدافها ومنها سقوط التوريث، وبالتالى لا فضل لأحد على الثورة التى شارك فيها الإخوان بكثافة وأعطوها زخمًا كبيرًا، ولذلك فإن انقلاب العسكر على ثورة شعبيّة قرار خطير يصعب اللجوء إليه اليوم، كما أن انقلابهم على أكبر فصيل سياسى وشعبى وبرلمانى فى مصر وهم الإخوان ومعهم بقيّة الإسلاميّين أمر صعب أيضًا، فالظرف المحلى والدولى الآن غير ذلك الذى كان قائمًا فى 1954، فهناك تمثيل سياسى وبرلمانى شرعى ومعترف به داخليًّا وخارجيًّا للأحزاب ذات الخلفية الإسلاميّة، والانقلاب عليها تحت أى مسمّى سيكون انقلابًا على الدّيمقراطيّة النّاشئة، وهذا لن يحصل على مباركة دوليّة لأنّ العالم أيّد نتائج الانتخابات وأشاد بها والفائز بها هم الإسلاميّون ما يعنى تأييد العالم لوجود الإسلاميّين فى الحكم، ليس فى مصر فقط بل فى تونس والمغرب وكل بلد يمارس فيه الإسلاميّون السّياسيّة بعيدًا عن العنف، وقد استقرّ الغرب على دعم الإسلاميّين بديلاً عن الأنظمة الاستبداديّة الزائلة لأنّهم يحظون بشعبيّة حقيقيّة، ومن هنا يصعب على الغرب أن ينقلب على مواقفه وخياراته فى غمضة عين ويعود لدعم انقلاب عسكرى على ثورة شعبيّة وتجربة ديمقراطيّة ناشئة. يضع العسكر فى حساباتهم أنّهم تعهّدوا مرارًا بحماية الثورة ومنجزاتها وبتسليم البلاد لسلطة مدنيّة منتخبة وأنّهم غير طامعين فى الحكم وهم جلسوا مع الإخوان - الجماعة والحزب - وجلسوا مع كل الفصائل الإسلاميّة الأخرى، وليس سهلاً أن ينقلبوا على تعهّداتهم فهذه ستكون خطيئة كبرى لهم وربما كان ذلك شبه ممكن فى وقت سابق وقبل بدء دوران عجلة الانتخابات والانتقال الديمقراطى للسّلطة وفوز الإسلاميّين بأغلبيّة الشّعب والشّورى وأحقيتهم فى تشكيل الحكومة. العسكرى يعلم حجم التأييد الشعبى للإخوان وكثافة وجودهم فى الشّارع وشرعيّة هذا الوجود الذى كرّسته نتائج الانتخابات، وبالتالى لابد أنْ يدرك أنّ الصّدام معهم سيكون مع جزء لا يستهان به من المصريين ليضع بذلك نفسه فى مواجهة مؤلمة مع الشّعب، وهو ما يعتبره خطًا أحمرَ . الذين يتحدّثون عن صدام بين الإخوان والعسكرى ويروّجون له ويتمنّونه هم من دعاة الليبراليّة والعلمانيّة وفلول اليسار. والذين يدعون العسكرى لحلّ مجلسَى الشّعب والشورى والانقلاب على الدّيمقراطيّة الوليدة هم هؤلاء أيضًا. والذين لا يريدون رؤية الإسلاميّين فى البرلمان وفى الرئاسة وفى أى سلطة منتخبة من الشّعب هم أولئك القوم أيضًا. والذين يقلّبون فى التاريخ ويستدعون واحدة من أسوأ صفحاته وهى جريمة 54 هم من يدعون أنهم مدنيون ديمقراطيون ليبراليون.. ومن المؤسف أن يقوموا بهذا الدور لأنهم لا يريدون الإسلاميّين فى السّلطة حتى لو كانوا منتخبين. هؤلاء أكذوبة وعار على الليبراليّة الحقيقيّة فقد كشفوا عن وجههم الديكتاتورى القبيح وهذا الانكشاف من حسنات الأزمات التى تمرّ بها مصر، ولذلك يلفظهم الشّارع، ويصعب أنْ يكون لهم مكان فيه، وسيسجّلهم التّاريخ على أنّهم انتهازيّون تجّار سياسة ومصالح وأوطان. لن يتكرّر ما حدث فى 1954 فالزمن غير الزمن، ومصر غير مصر، والعالم غير العالم، وليس بالضرورة أن يعيد التاريخ نفسه خصوصًا فى المآسى والكوارث السّياسيّة والوطنيّة الكبرى. [email protected]