سألنى المستشار حسن عمر: كيف فاتك أن ترى وجوه الشبه بين محمد البرادعى فى 2010، وبين محمد نجيب فى 1952؟! وحين تأملت سؤال الرجل، تبين لى أنه سؤال وجيه، ففى عام 1952، كان الضباط فى مجلس قيادة الثورة، وعلى رأسهم جمال عبدالناصر، يريدون أن يخرجوا إلى الناس من خلال وجه يصدقه هؤلاء الناس، وقد اكتشف الضباط وقتها أن هذا الوجه هو اللواء محمد نجيب، الذى كان أكبرهم سناً ومقاماً، وكان فى رتبة لواء فى الخدمة العسكرية، فى حين كانوا جميعاً فى الرُتب الدنيا، ما بين ملازم وملازم أول، ثم صاغ فى أقصى الأحوال، وكانوا شباباً، وكان جمال عبدالناصر، على سبيل المثال، فى الرابعة والثلاثين حين قامت الثورة، وكذلك كان السادات، وكانت أعمار زملائهما جميعاً قريبة من عمريهما، وكانوا يعرفون أن المصريين من الممكن أن ينظروا إليهم على أنهم «شوية عيال»، وكان الحل فى أن يكون محمد نجيب هو الواجهة الأنيقة التى يطلون من ورائها على المصريين، وهو ما حدث بالفعل، ففى الفترة من 1952 إلى 1954، لم يكن المصريون يعرفون أحداً من رجال الثورة جميعهم سوى محمد نجيب، الذى كان وجهاً وسيماً فى ملامحه، ومحبوباً ومحبباً فى طلعته، لدى ملايين المواطنين فى ذلك الوقت! وعندما وقعت أزمة مارس 1954، انقسم ضباط مجلس قيادة الثورة إلى صفين: واحد يضم محمد نجيب وخالد محيى الدين، وكلاهما كان مؤيداً لعودة الجيش إلى ثكناته، وإعادة الحياة السياسية الطبيعية التى كانت قائمة قبل الثورة، لتحكم الأحزاب بالتداول فيما بينها، كما كان يحدث أيام الملك، ثم كان الصف الثانى الذى ضم سائر ضباط المجلس، وكانوا مؤيدين لبقاء الجيش فى الحكم، وتأجيل الديمقراطية إلى حين، واستدعاء الديكتاتورية.. وهو ما حدث! ولكن الأهم فى هذا كله، أنه قد تبين، للذين عاشوا أيامها، أن محمد نجيب لم يكن سوى واجهة جرى استغلالها لبعض الوقت، وأنه كان مجرد فترة انتقالية، وأنه كان جسراً يعبر من فوقه الذين يريدون أن يحكموا، والذين حكموا بالفعل، وأن كل الذين كانوا فى الصورة فى تلك اللحظة، لحظة قيام الثورة، لم يكونوا هم الحُكام الحقيقيين، وإنما كان هناك رجل فى خلفية الصورة، لا يظهر، ولا يعرفه أحد، وكان هو الذى حكم، وكان اسمه جمال عبدالناصر، ولو أن أحداً سأل عن هذا الاسم فى الفترة من 52 إلى 54، فسوف يكتشف أنه كان مجهولاً للناس تماماً! اليوم، يبدو المشهد العام وكأنه يكرر نفسه، مع بعض الاختلاف طبعاً، فكل الطامحين فى الحكم والطامعين فيه، يتكتلون وراء البرادعى، ليس حباً فيه، ولكن تطلعاً إلى هدف آخر، ويراهنون على أنه يمكن أن يحظى بدرجة من المصداقية لدى الرأى العام، تقترب من تلك التى كان محمد نجيب قد حظى بها، وهناك مَنْ يرى أن البرادعى - لو فاز فى أى انتخابات رئاسية - فسوف يكون بمثابة فترة انتقالية، ليأتى من بعده رجل ليس فى الصورة الآن على الإطلاق! ولو أن أحداً راح يقارن بين محمد البرادعى وبين محمد نجيب، من حيث الصفات الشخصية، فسوف يلاحظ أن المشترك بينهما كثير، وأنهما فى الحالتين يمثلان رأس جسر، يمكن أن يعبر عليه آخرون! وإذا كان «الإخوان» على لسان قيادى فيهم، قد أعلنوا أنهم مؤيدون للبرادعى، فليس من المستبعد أن يؤدى تأييد من هذا النوع، أو تحالف من هذه النوعية، بين البرادعى وبينهم، إلى إعادة إنتاج سيد قطب من جديد، وليس من المستبعد أيضاً أن يستغل الحزب الوطنى البرادعى، بما يؤدى فى النهاية إلى جمال مبارك، أو أن يؤدى البرادعى، كظاهرة لها منطق ظاهرة محمد نجيب، إلى ظهور جمال عبدالناصر جديد! ولكن الشىء المزعج فى كل الأحوال، أنه من الممكن حين يأتى هذا الرجل، الذى لا يبدو فى الصورة الآن، أن يكون الرأى وقتها، كما كان الرأى عام 54، أن الديمقراطية لا تصلح لهذه المرحلة، وأنه من الأفضل تأجيلها لنعود مرة أخرى إلى نقطة الصفر! سيناريو متشائم، وصعب، ولكنه وارد!.. وسوف يرفضه بالطبع الذين يقولون بأن التاريخ لا يعيد نفسه، وأن الإنسان لا ينزل النهر فى حياته مرتين!