عرفت مصر لقب «السيدة الأولى»، مع جيهان السادات، زوجة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، التي شهدت مصر في عهدها لأوّل مرة، وبشكل واضح، تدخل زوجة الرئيس في الحياة العامة، اجتماعية أو سياسية، وعلى خطاها، كانت سوزان مُبارك من بعدها. ولم يكن يعتد الشعب المصري قبل جيهان السادات بظهور تحية كاظم، زوجة عبدالناصر، وبقيت في الظل، رغم الشعبية الجارفة لزوجها، في الوطن العربي. ومع صعود جماعة الإخوان المسلمين للحكم، وتولي محمد مرسي الرئاسة لمدة عام، قبل أن يُعزل، رفضت زوجته لقب سيدة مصر الأولى، وصرحت بأنها «خادمة مصر الأولى»، ولم يكن لها أي دور واضح في الحياة السياسية للبلاد، أثناء فترة حكم زوجها. وعقب تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي، حكم البلاد، والذي تعتبر زوجته، أول زوجة رئيس مصري بخلفية عسكرية ترتدي الحجاب؛ صرّح بأنه يفضل ابتعاد زوجته عن الظهور الإعلامي، والابتعاد عن صدارة المشهد في البلاد، وبالفعل كان ظهور انتصار السيسي في المناسبات نادرًا جدًا، وتكاد قطاعات عريضة من الشعب المصري لا تعرف عنها شيئًا، قبل أن تتبدل الأحوال في الأسابيع الأخيرة، وتحمل معها تحولات جديدة، ربما تُشير إلى تغيّر مُرتقب لطبيعة الدور الذي تلعبه زوجة الرئيس وذلك بحسب تقرير نشرته" "ساسة بوست". مراحل تطور علاقة انتصار السيسي بالحياة العامة في حوار أُجري معه منذ أكثر من عامين، أكد أحمد السيسي، الشقيق الأكبر للرئيس عبدالفتاح السيسي، أن زوجة أخيه انتصار، ربة منزل مصرية بامتياز، وأنها مثل أخواتها لا تعمل، وتفضل تربية الأبناء ورعاية شؤون المنزل، بعيدًا عن صخب الحياة العامة. لكن الفترة التالية لحالة العزلة التي طبعت علاقة انتصار بالحياة العامة، بدأت تتغير فيها الأمور شيئًا فشيئًا، وتشهد حضورًا متزايدًا لزوجة الرئيس. وشهد عام 2015، أول اصطحاب للرئيس لزوجته في زيارة رسمية خارجية، وكان ذلك في زيارته إلى البحرين، وكانت تلك الزيارة لإجراء المباحثات مع الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، وتوطيد العلاقة بين البلدين، بخاصة وأن البحرين من أول البلدان التي أعلنت تأييدها لبيان الثالث من يوليو (تموز) 2013. وكان في استقبال حرم الرئيس، الأميرة سبيكة بنت إبراهيم الخليفة آل خليفة، زوجة العاهل البحريني، ورئيسة المجلس الأعلى للمرأة في البحرين، بالإضافة إلى العديد من سيدات العائلة المالكة. وفي شهر فبراير الماضي، برزت قرينة الرئيس بشكل مُكثّف، بداية من الظهور في الشرفة الجانبية من قمة مجلس النواب، أثناء إلقاء السيسي كلمته أمام البرلمان، ثُم ظهورها في جولة سياحية مع ابنتها وزوجتي نجليها، بمواقع أثرية في الأقصر وأسوان، وسط تجهيزات أمنية مشددة. وفي مايو الماضي، ظهرت انتصار السيسي في فندق الماسة التابع للقوات المسلحة المصرية، في حفل غنائي للمطربة المصرية شيرين عبدالوهاب، والمطرب التونسي صابر الرباعي. وفي السادس من أيضًا، قالت صحيفة الوطن المصرية، إن زوجة السيسي، أجرت اتصالًا هاتفيًا للاطمئنان على الفنان المصرية نادية لطفي، إثر تعرضها لأزمة صحية، وأضافت الوطن، أن المكالمة التي تجاوزت مدتها عشرة دقائق، أثّرت بالإيجاب على الحالة المعنوية للفنانة. وجاء شهر نوفمبر الجاري، ليشكل انتقالًا نوعيًا في علاقة زوجة الرئيس بالحياة العامة، حيث ظهرت بوضوح، مصطحبًة وزيرات التضامن، والاستثمار، والتعاون الدولي، والهجرة، وقرينات قادة القوات المسلحة، وقرينات الوزراء، في زيارة للبنك الأهلي المصري، لتطلق حملة تبرع لصندوق تحيا مصر، من أجل دعم المشروعات التنموية المختلفة التي تقول الدولة إنها تنفذها. مناشدات إعلامية مكثفة لانتصار السيسي ورافقت زيارة السيدة انتصار السيسي للبنك الأهلي المصري، ودخولها بخطوات ثابتة واثقة، تغطية إعلامية مكثفة، وبعد تلك الزيارة بدأت مناشدات الإعلاميين المصريين المؤيدين للنظام الحالي، لزوجة الرئيس، مطالبين إياها بممارسة دور اجتماعي أكبر وأكثر فاعلية، باعتبارها «سيدة مصر الأولى». وعبرت الإعلامية لميس الحديدي في برنامجها هنا العاصمة، عن رغبتها في تكثيف زوجة الرئيس لحضورها الاجتماعي، مطالبة إياها بلعب دور اجتماعي في البلاد، لكنها أيضًا أكدت على الفرق الكبير بين الدور الاجتماعي والدور السياسي. وطالب الكاتب الصحافي ممتاز القط، الذي كان مقربًا بدرجة كبيرة من حسني مُبارك، انتصار السيسي، بأن تلعب دورًا مشابهًا للدور الذي لعبته جيهان السادات لحماية المرأة والطفل في المجتمع المصري، ودور سوزان مبارك في إنشاء معاهد الأورام، بحسب رأيه. وأكدت الكاتبة الصحافية فريدة النقاش، على أن هذا الظهور لقرينة السيسي، يعد شهادة ميلاد لممارسة دورها باعتبارها سيدة مصر الأولى. من جانبه يرى الباحث الحقوقي أحمد أبوالمجد، أنه حتى الآن ليست لزوجة السيسي أية سوابق سياسية، وأن رجال القوات المسلحة، لا تشارك زوجاتهن في الحياة السياسية، وهو ما يجعله يعتقد في أنه مهما تطوّر الأمر، فلن يتجاوز الظهور في مناسبات معدودة، دون أن تكون ضالعة في الحياة السياسية المصرية. في حين يرى القيادي بحزب الكرامة والبرلماني السابق أمين إسكندر، أن «ظهورها في هذا الوقت، كان مخططًا له بدقة، وسيتبعه ظهور وممارسة لدور السيدة الأولى، ولكن بعد قليل من الوقت، حتى يتعود المصريون على الشكل والدور الجديد الذي ستلعبه حرم الرئيس»، مُؤكدًا على أن «عدم ظهور انتصار السيسي في الفترات السابقة، كان مقصودًا»، و«أن كل ما يحدث الآن موضع تخطيط شامل من المخابرات العامة، بداية من الربط بين شخصية السيسي وجمال عبد الناصر، إلى عدم ظهور زوجته وخروجها في المشهد العام». وعلى الجانب الآخر يرى، المحلل السياسي أكرم الألفي، أن ظهور حرم الرئيس وتكثيف دورها في الفترة القادمة، سيدعم حقوق المرأة المصرية، مؤكدًا أن الرئيس السيسي هو في النهاية ابن الطبقة المتوسطة المصرية ولن يمنع زوجته من التواجد في الحياة العامة، حتى فيما يتعلق بالجانب السياسي، بما يخدم مصلحة الوطن. وأكد ألفي أن تجارب ظهور قرينة الرئيس المصري في الحياة العامة، قد قوبلت بردود فعل إيجابية واستحسان من الناس، مؤكدًا أيضًا أن دور السيدة الأولى معترف به ويُلعب، حتى في أكبر النظم الديمقراطية في العالم.