"الصناديق الخاصة"، أصبحت أقرب ما يكون إلى طوق النجاة لسد عجز الموازنة العامة للدولة، بحسب تقديرات الاقتصاديين, وذلك بعدما قدم أحد نواب مجلس الشعب طلب إحاطة إلى رئيس الوزراء ووزير المالية لإدراجها ضمن بنود الموازنة العامة. كان المركز العربى للنزاهة والشفافية طالب بضم أموال الصناديق الخاصة للموازنة العامة للدولة، واستخدامها لسداد ديون مصر الداخلية والخارجية وعملية التنمية من خلال دعوى أمام محكمة القضاء الإدارى. وتباينت التقديرات والأرقام الخاصة بحجم هذه الصناديق والمبالغ الموجودة بها، قدرها الخبراء نحو 350 مليار جنيه بعملات أجنبية داخل عدة جهات فى حين هناك تقديرات أخرى ترى أن أرصدة الصناديق والحسابات الخاصة تبلغ تريليونًا و272 مليار جنيه، لا تخضع للموازنة العامة للدولة ولا رقابة مجلس الشعب أو الجهاز المركزى للمحاسبات، رغم أنها تضم مبالغ تفوق قيمتها مجمل الناتج المحلى، وتساوى 446 ضعفاً لإجمالى إيرادات الموازنة العامة، كما تقدر ب 14ضعفًا لعجز الأخيرة ووسط هذه الأرقام المتضاربة، كانت المطالب بضمها إلى بنود الموازنة العامة للدولة، والتى بلغ العجز فى العام الماضى إلى 134 مليار جنيه، ومتوقع أن يرتفع هذا العجز فى الموازنة الجديدة ليبلغ 184 مليارًا. يقول الدكتور صلاح جودة، الخبير الاقتصادى ومدير مركز الدراسات الاقتصادية، طالبنا كثيرًا من قبل بضم الصناديق الخاصة للموازنة العامة لأنه سيساعد فى الحد من العجز. وأكد جودة أن عدد ما تم حصره داخل مصر من الصناديق الخاصة 8900 صندوق فى جميع الهيئات الإدارية للدولة فى القطاع العام والقطاع الحكومى والقطاع التعاونى والوحدات المحلية, وتبلغ قيمة هذه الصناديق من قيمة المبالغ الموجودة فيها ما لا يقل عن 1200 مليار جنيه. وأشار إلى ضرورة أن يكون هناك دراسة حقيقية وجرد هذه الصناديق، وخاصة فى ظل تضارب تصريحات المسئولين حولها، فقد أكد من قبل الدكتور سمير رضوان، حين توليه وزارة المالية أنها غير موجودة من الأساس، ثم عاد ليؤكد أنها 11 مليارًا، فى حين أكد الدكتور عصام شرف أنها 91 مليارًا، بينما قال الدكتور حازم الببلاوى إنها 112 مليارًا، ثم جاء الجنزورى ليؤكد أنها 27 مليارًا، عاد بعدها ليقول إن أموال الصناديق الخاصة تبلغ 36 مليار جنيه. وأكد جودة أنه لا معنى للتضارب فى الأرقام بهذا الشكل، إلا أن القائمين على الدولة لا يعلمون بوجودها، ولذلك فعلينا مراجعة تقرير البنك المركزى والجهاز المركزى للمحاسبات. وقال: إذا كان ما تم حصره فقط يصل إلى 1200 مليار، فهناك الصناديق الفرعية التى لم يتم حصرها حتى الآن، مؤكدًا أن ضم هذه الصناديق إلى الموازنة العامة للدولة، فإنها ستغطى العجز القائم حاليا بالزيادة، لأن عجز الموازنة للعام الحالى فقط 134 مليارًا، ومن المتوقع أن يصل فى موازنة العام الجديد إلى 184 مليارًا. وأوضح جودة أهمية وجود طلب إحاطة فى مجلس الشعب، بخصوص هذا الأمر على أن يصبح للحكومة ردًا واضحاً ومحددًا، ومن ثم حصر الصناديق بشكل كامل. من جانبه، استنكر الخبير الاقتصادى، "رضا عيسى"، ما يحدث بالاقتصاد المصرى حاليا وما يشهده بحسب تعبيره من فوضوية وعشوائية فى تصريحات المسئولين، ولاسيما بشأن قضية الصناديق الخاصة، مشيرًا إلى أن هناك عددًا من القوانين التى تخص الصناديق الخاصة وسبل إدارتها وصرف ما بها من أموال من شأنها إتاحة الفرصة أمام المسئولين فى هذه الصناديق لمزيد من الفساد، مؤكدًا أن ذلك أعطى الحق لبعض المسئولين من فتح حسابات خاصة بتلك الأموال ببنوك تجارية ليست خاضعة لأى رقابة، مبرراً ذلك بعدم وجود تشريعات رقابية تخضع لها من قبل جهات الدولة الرقابية كمجلس الشعب أو الجهاز المركزى للمحاسبات. وطالب عيسى نواب مجلس الشعب بضرورة الإسراع وفورًا بتعديل مواد القوانين المتعلقة بالصناديق الخاصة، مؤكدًا على ضرورة إعادة النظر فى كل تلك القوانين التى تفتح أبوابًا للفساد المالى والإدارى فى الدولة. وأضاف: "لا بد من إعلان ميزانيات هذه الصناديق ويجب إدخالها الموازنة العامة للدولة"، منتقداً ما يحدث فى بلد بحجم مصر من عدم معرفة مواردها من أين تأتى، وما هو حجمها الحقيقى وفى أى شىء تنفق، مضيفا أنه لا يجوز تخصيص إيرادات من خارج الموازنة للصناديق". وأشار إلى أن أموال الصناديق تأتى من خارج الموازنة وتكون عبارة عن أموال رسوم خدمات وغرامات وجزء من رسوم طوابع الشرطة التى تذهب لصندوق الداخلية، والرسوم التى تحصل فى السفر على بوابات المحافظات وتذهب لصناديق المحافظات، مؤكدا على أهمية الرقابة على تلك الإيرادات، لجعلها تخرج من موازنة الدولة إلى الجهات المستفيدة، ولا يجوز تخصيص إيرادات من خارج الموازنة للصناديق"، مشيرًا إلى أنه فى حالة قيام الحكومة بمعالجة دور الصناديق الخاصة، سيتطلب ذلك تعديلات قانونية من شأنها إلغاء التفويض الممنوح لرئيس الدولة والوزراء والمحافظين بإنشاء صناديق خاصة. من جانبه، قال النائب محمد منيب، عضو مجلس الشعب عن حزب الكرامة، إن فكرة ضم الصناديق الخاصة لتدخل ضمن موارد الموازنة العامة للدولة قيد المناقشة بالفعل، وبناءً على دراسة قيمة هذه الصناديق وإعدادها، وما تدره من دخل سيتم إقرار ضمها من عدمه. وشدد "منيب" فى سياق متصل، أن أى تسرع فى اتخاذ أى قرار حيال هذه القضية من شأنه أن يأتى بنتائج عكسية ضد القرار، مشيرًا إلى ضرورة أن يكون كل ما ينفق من أموال وما يتم صرفه، لابد وأن يخضع للرقابة والموازنة وخاصة بعد الحديث عن استخدام أموال الصناديق الخاصة استخدامًا سيئًا باعتبارها بابًا خلفيًا لفساد المحليات. وقال إذا كانت الأرقام التى يتم تداولها صحيحة بشأن حجم الأموال الموجودة فى الصناديق الخاصة، فإن ذلك سيساعد كثيرًا فى التقليل من العجز فى الموازنة العامة للدولة. وأوضح الدكتور جلال المرة، عضو مجلس الشعب عن حزب النور، أن هناك مشكلة حقيقية تتعلق بأزمة الصناديق الخاصة وما يمكن أن تساهم به فى حل مشكلة سد عجز الموازنة الحالى، مؤكدًا أن مسألة الفوضوية، فيما يتعلق بهذه الصناديق وما يصرف وما يأتى إليها هى قائمة بالفعل، ولم تتغير إلى الآن. وأشار إلى أن اللجنة الاقتصادية واللجنة التشريعية بالمجلس تقوم حاليًا بدراسة القوانين المنظمة لهذه القضية للخروج منها بمصلحة عليا للبلاد والتى من شأنها إتاحة الفرصة للاقتصاد المصرى للصعود وهو ما نحرص عليه الآن، لاسيما فى ظل الأزمة الاقتصادية التى تشهدها مصر حاليًا. وأشار المرة، إلى أنها مسألة وقت ليس أكثر لكى تخرج اللجنة بدراسة وافية لما يمكن أن يصدر أو يعدل من تشريعات وقرارات تخص الصناديق الخاصة، نافيًا معرفته أى معلومات تخص قيمه وحجم الأموال الموجودة بالصناديق الخاصة حتى الآن.