ينفرد المصريين-تقريباً-بأكل السمك المملح والذي تم تخزينه وقت طويل حتي ينضج ويكون جاهزاً للأكل ألا وهو "الفسيخ"، ولأنه طعام شهير للمصريين، أصبحوا يضربون به الأمثال وذلك عندما يذكرونه مع نقيضه وهو "الشربات" عند وصف أحد الناس الذين يمتلكون المقدرة علي إقناع الآخرين بشيء ما عكس الحقيقة وتلك تمثل أقصي درجات الفهلوة عند هؤلاء. منذ التسعينات-في زمن مبارك-نظراً لشيوع الفساد وتغييب العقل والمنطق وإختفت المعايير الحقيقية لتقييم اصحاب المهارات والمتفوقين في كافة المجالات فبرز في ذلك المناخ العاهات الفكرية والثقافية أي تقدمت الأراذل مقابل تقهقر الأفاضل.
من خلال إعلام مبارك أصبح لدي الناس رغبة شديدة في تصديق الأكاذيب والشائعات المتداولة خلال الأعلام المرئي أوالصحف من دون سند أو برهان، وإنتشرت كذلك ظاهرة "التلميع" والتي من خلالها تجعل الضعفاء وانصاف المواهب-في مجالات عديدة منها السياسة والفن والفكر وحتي الرياضة-عمالقة دون إستحقاق عن طريق إستغفال المشاهدين والإلحاح عليهم في أن يصدقوا أن هؤلاء هم الأعظم والأكثر كفاءة، وخير مثال علي ذلك تكرار الإدعاء بأن مبارك هو بطل حرب أكتوبر حيث إختصر الإعلام حرب أكتوبر في"الضربة الجوية".
تتكرر المأساة في أيامنا هذه،حيث طفت علي السطح المسوخ والأقزام في بعض المجالات المختلفة، فمثلاً نجد بعض الذين فشلوا في مجال الصحافة يفرضون انفسهم من خلال بعض البرامج الشديدة التفاهة والتسطيح في الفضائيات والتي إحتلت مساحة من وقت المشاهدين وشغلتهم دون عائد ثقافي والتي غالباً ما تنتهي بفضائح تشوه صورتنا أمام العالم نحن في غني عنها وما زال البعض موجود في الساحة الإعلامية يعبثون بوقت المشاهدين ويسطحون أفكارهم ويجرفون عقولهم بأسلوب ديماجوجي وشعبوي ممجوج"هري وطحن بلا دقيق".
لم يسلم الامر من أن يتحول بعض اصحاب الأعمال أو التجار الأغنياء-بعضهم لم يحصلوا علي تعليم معقول او ليس لديهم فكر او علم-سواء في السياسة أو العمل العام، ومن أجل أن يؤمنوا مصالحهم وأعمالهم إتجهوا للعمل بالسياسة أو الحصول علي مناصب-منهم أهل الثقة-، فكان الأسهل في ذلك الأمر هو حصولهم علي عضوية مجلس الشعب، وحالف الكثير منهم النجاح في الحصول عليها بعدما بذلوا من أموالهم الكثيرعلي من أوصلهم لذلك، أحد هؤلاء وكان من انصاف المتعلمين-في فترة حكم مبارك-عندما طلب منه أبناء دائرته الإنتخابية أن يأتي لهم بالموافقة علي رصف الطريق الذي يصلهم بالسريع فوعدهم قائلاً بأنه سوف يخاطب "وزير الأسفلت" كي يطلب منه الموافقة وكان يقصد بالطبع وزير النقل. المصريين حقاً يمكنهم-بمزاجهم-تقزيم العمالقة أو عملقة الأقزام والسبب في ذلك هي ثقافة الإلحاح عن طريق الفضائيات في قدرتها علي أن تُحيي العظمة في قزم وفي المقابل تُميت العظمة في عملاق وللأسف تجد من يصدقهم في ذلك دون إعمال للعقل وكما لو أن عقول هؤلاء قد إعتقل من قبل آخرون فيفعلون بها ومن خلالها الأفاعيل.