كان أجدادنا سعداء لكنهم لا يجيدون التعبير عن تلك السعادة عندهم ممارسة ناجحة للحياة ، قدرة علي العطاء والاستمتاع بكل تفاصيلها ، إحساس بالرضا والإشباع وامتلاء بخصوبة وحيوية الأرض العفية عندما يتساقط عليها الندي فتهتز زروعها طربا. لم يكن أحدهم يعرف كيف يقول " أنا سعيد " لأنه لا يري من المجدي أن يتوقف عن قطف زهور الحياة المبهجة ونثر بذورها من حوله ليتأمل مشاعره ويحللها ، ليس لدى السعداء وقت للتساؤل ، كما أن اندماج الإنسان مع البشر والطبيعة وشعوره أنه جزء من منظومة متجانسة تعزف في تناغم لحن الحياة يجعله مشغولا تماما بإنجازه ومستمتعا بأداء دوره. يجد الإنسان المعاصر نفسه محاصرا بأسئلة جديدة مثل كيف تصبح سعيدا ؟ كيف تحصل علي شخصية جذابة ؟ كيف تتعلم مهارات التواصل ؟ ولأنه يريد الخروج من شرنقة الوحدة والعزلة ويشتاق لتحقيق هاتفه الفطري بأن يصبح جزءا من كل فإنه يتشبث بتلك النصائح كأطواق نجاة تجعله يشعر بالتحقق الإنساني ويصل إلي السعادة المرجوة . في سماء السعادة تلمع نجوم المال والنفوذ والتعليم والشباب والمتعة البصرية بمتابعة التلفزيون وغيره من وسائل التسلية. أحدث الدراسات التي قام بها الخبراء المتخصصون من كبار علماء النفس المعاصرين أمثال د." مارتن سيلجمان " الذي يعد عالما متخصصا في أبحاث السعادة و د . " دانيال كاينمان " الحاصل علي جائزة نوبل تحمل لنا العديد من المفاجآت . بالنسبة للمال فإن الدخل الإضافي بعد استيفاء الحاجات الأساسية للإنسان ليس له تأثير في مدي إحساس الإنسان بالسعادة ، وكذلك فإن التعليم الجديد ومستوى الذكاء لا علاقة بينها وبين السعادة ، ويعد الشباب مرحلة معاناة وبحث لا بد أن يتخطاها الإنسان ليصل إلي شاطئ الاستقرار في المرحلة التالية من العمر . أما التليفزيون والوسائل البصرية للمتعة فقد أثبتت الدراسات أنها تجلب الاكتئاب والملل. أول الأسباب الحقيقية للسعادة التدين واليقين الذي يرسخ الطمأنينة ويجعلك تتصرف على هدى وبصيرة وتشعر دائما أنك لست وحدك في الحياة مادامت عين الله ترعاك. الزواج الناجح المتوافق من أهم أسباب السعادة، والصداقة الصافية الممتدة تقوم بدعم نفسي يغنيك عن زيارة الطبيب، والنجاح في العمل الذي تؤديه باقتناع وحب وحسن استغلال وقت الفراغ. أما النصائح التي خرجت علينا بها تلك الدراسات للتخفيف من المعاناة والإحساس بالسعادة فأهمها: تذكر نعم الله عليك وهي كثيرة. تعلم كيف تمتد خارج ذاتك بأن تمد يد العون والمساعدة لغيرك وترى الحياة من زوايا أخرى غير زاويتك المحدودة. تمتع بمتع الحياة البسيطة ، كوب الشاي الساخن في الصباح شمس الشتاء الدافئة، ابتسامة طفلك ، الحديث الودي مع والدتك المسنة ، اتصال هاتفي بأستاذك السابق تشكره وتظهر له الامتنان والاعتراف بالفضل. تعلم أن تسامح ، الانتقام والشماتة والمشاعر السلبية كلها معاول هدم ، أما التسامح والتخلص من مشاعر الغضب والكراهية فهي وسائل إيجابية بناءه تدفعك دائما للأمام وتستثمر طاقتك الروحية فيما بعد. استثمر وقتك مع عائلتك وأصدقائك إنهم أحباؤك الحقيقيون ، لا تضيع أوقاتك معهم هباءا بسبب التعود واللامبالاة استمتع بحضورهم القوي في حياتك وانتهز الفرص دائما للمرح والترفية. لو أعدنا النظر في تلك النصائح الحديثة جدا لوجدناها هي نفسها الممارسات التي كان أجدادنا يؤدونها ببساطة وتلقائية وبشكل فطري ودون أن يدركوا أن هناك شيئا أسمه (السعادة) وإذا سألت أحدهم عن حاله لأجابك على الفور "رضا ، الحمد لله" نبع الرضا بداخلك ، وأسباب السعادة في متناول يدك ، اقطفها وازرعها وانثرها من حولك ، في كل صباح تتجمل الحياة وتفتح ذراعيها لك أقبل عليها واملأ صدرك بعبيرها وردد بصوت مسموع "الحمد لله".