بالتزامن مع الاحتفالات بافتتاح قناة السويس الجديدة، التي حققت إيرادات بلغت 3 مليارات 183 مليون دولار، خلال الفترة من 1 يناير 2016 حتى 6 أغسطس 2016 بنسبة نمو 4% بالدولار، وهو ما يعادل 26 مليارًا و60 مليون جنيه بنسبة نمو 13.5% بالجنيه المصري، تدخل مصر مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لاقتراض 12 مليار جنيه. المثير للدهشة أن مصر حصلت على مساعدات عديدة خلال العامين الماضيين، إلا أن ثمة أسباب مبهمة حول اللجوء إلى صندوق النقد الدول، خاصة أنه سيقوم بفرض شروط قاسية تتطلب تغيير سياسيات اقتصادية، وتخفيض قيمة الجنيه. فتاريخيًا، لجأ عدد من حكام مصر إلى صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض من الصندوق سيئ الصيت، ولذلك لم يلجأ إليه آخرون، لأن القرض في الغالب يأتي بشروط رفع الدعم وغلاء الأسعار وخصخصة الخدمات، وسياسات تقشف –كما حدث مع اليونان- وكل هذا يلقى على عاتق المواطن البسيط أو كما زعم البعض هو وسيلة جديدة للسيطرة على البلاد، كما حدث في العهود السابقة، حيث رصدت «المصريون» محطات تاريخية لمصر مع قروض الصندوق. رغم أن صندوق النقد الدولي أنشئ عام 1945، إلا أن آلياته تمثلت قديمًا في صندوق الدين المعروف في ظل الإمبراطوريتين الاستعماريتين الإنجليزية والفرنسية في القرن التاسع عشر، وذاق الخديوي إسماعيل مُر تجربة الاقتراض من الصندوق القديم حين استدان منه وكان هو الثغرة التي تسلل منها التدخل الأجنبي في شئون مصر ومهد للاحتلال البريطاني عام 1882. والمحطة الأهم التي علِّم منها الأبناء خطأ الأجداد، حين أراد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بناء السد العالي، ولم تكن هناك في خزانة الدولة المصرية أموال تسمح بتمويل عملية البناء، وكانت التكلفة حينها 200 مليون دولار، فلجأ للبنك الدولي، لكن البنك أنزل وابل شروطه على مصر، إلا أن عبد الناصر أبى أن تخضع مصر لشروط البنك الدولي، وقام بكشف آليات الصندوق كأداة استعمارية جديدة. طلع على الشعب بصوت واثق، في خطابه الشهير، قائلًا: «نطلب من البنك الدولى أن يوقع معنا الاتفاق النهائي لبناء السد العالى، عشان يدينا 200 مليون دولار، فيفرض البنك شروطه، ونكون أمام حاجة من الاثنين، إما نرفض هذه الشروط فيقول مفيش قرض، أو نضطر للخضوع والاستسلام لشروط البنك الدولي فيبعت واحد يقعد مطرح وزير المالية، ويبعت واحد يقعد مطرح وزير التجارة، ويبعت واحد يقعد مطرحى، وإحنا نبقى قاعدين في هذا البلد ما نعملش حاجة إلا أما ناخد منهم التعليمات وناخد منهم الأوامر». على النقيض اضطر الرئيس الراحل محمد أنور السادات في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي عام 1977 على قرض بقيمة 185.7 مليون دولار؛ من أجل حل مشكلة المدفوعات الخارجية المتأخرة وزيادة التضخم، ولكن حدث ما كان متوقعًا، وهو زيادة في أسعار السلع الأساسية مثل الخبز والبنزين والبوتاجاز والسكر والأرز وغيرها من السلع بزيادة تتراوح من 30 إلى 50 بالمائة. وقامت على أثره انتفاضة «الخبز»، حيث خرج المواطنون بالهتافات وأشهرها «سيد مرعى يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه»؛ على مدار يومي 18 – 19 يناير بسبب القرارات، وعقد مجلس الوزراء جلسات متتالية مطولة، طُرحت خلالها فكرة رفع الدعم عن السلع الأساسية، وهو ما اعترض عليه سيد فهمي وزير الداخلية وقتها، وقال إن الوزارة شُكلت لكي تثبت الأسعار، فكيف يفاجأ الناس بعد شهرين برفع الأسعار؟ وشدد على أن هذا يؤثر على الوضع الأمني - آنذاك. ولكن في النهاية استجاب السادات لشروط القرض، وطلب من المشير الجمسي قائد القوات المسلحة النزول للسيطرة على الشارع وفرض حظر التجوال، ولكن الجمسي اشترط على السادات الرجوع في تلك القرارات وقد كان. فلم يكن ما حدث مُبعثًا للقلق، للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، حيث أقبل على قرض من صندوق النقد عام 1991-1993، حيث اقترضت مصر حينها 375.2 مليون دولار، إلا وأن سلمت الجرة في تلك المرة واستطاعت الحكومة بالقرض سد عجز الميزان التجاري. ما أدى إلى تحرير سعر الصرف وإفساح المجال لمشاركة القطاع الخاص وإنعاش سوق المال والبورصة وتعديل القوانين المنظمة للاقتصاد وتقليص دور القطاع العام، وفي تلك الحقبة الزمنية زاد الاحتياطي النقدي وانخفض معدل التضخم واستقرت أسعار السلع. كرر «مبارك» الاقتراض مرة أخرى بعد نجاح المحاولة الأولى، ففي عامي 1996 – 1998، اقترضت مصر من صندوق النقد الدولي قرض بقيمة 434.4 مليون دولار، ولم تسحب قيمة هذا القرض فكان ملغيًا، ولكنه سمح لمصر بالحصول على إلغاء ل50% من ديونه المستحقة لدى الدول الأعضاء في نادي باريس الاقتصادي. وفي المحطة الرابعة لمصر مع الصندوق، ومع تولي الرئيس المعزول محمد مرسي رئاسة البلاد عام 2012، وتشكيل حكومة الدكتور هشام قنديل، قدمت طلب قرض بقيمة 4.7 مليار دولار، ولكن بسبب عدم الاستقرار السياسي للبلاد لم تكتمل المفاوضات وتمت الإطاحة بمرسي. وتولى الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، ومع تولي حكومة شريف إسماعيل الحالية تتفاوض مع صندوق النقد الدولي بغرض الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار على 3 سنوات بواقع 4 مليارات دولار سنوي، وبحسب تصريحات الدكتور عمرو الجارحي، وزير المالية، ستبدأ جولات مباحثات دعم الصندوق لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تتبناه الحكومة بأسرع وقت ممكن ومن المقرر أن تستمر تلك الجولات لمدة أسبوعين في مصر. ومن ناحية أخرى، أكد المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، أهمية استكمال المباحثات وإنهاء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وعرض ما يتم التوصل إليه على مجلس الوزراء لاعتماده واستكمال الإجراءات المطلوبة وموافقة مجلس النواب، للبدء في برنامج مالي للتعاون مع الصندوق على مدى الثلاث سنوات القادمة لتوفير التمويل اللازم لسد الفجوة التمويلية التي يعاني منها الاقتصاد المصري، وبما يحقق الاستقرار في الأسواق المالية والنقدية، ويساعد في تحقيق معدلات النمو المستهدفة.