كمال حبيب يشير الأسلوب الذي اتخذه جهاز الأمن المصري في التعامل مع المعتصمين من اللاجئين السودانيين بميدان مصطفي محمود إلي الكارثة التي يواجهها المسجون السياسي المصري مع قوم لا يوجد عندهم وسيلة سوي استخدام العنف والفوة مع من لا يسمعون أوامرهم . الكارثة الكبيرة التي حدثت في ميدان مصطفي محمود وأودت بحياة أي بقتل 30 لاجئاً سودانيا تشير إلي الاستراتيجية العنيفة الذي يتخذها جهاز الدولة المصري في مواجهة من لاينزلون علي رغبته ، لا أقول معارضيه ،ولكن من لا يرضخون ويسمعون ويطيعون ، هو تعود علي أن يسمع له ويطيع من يتعامل معه . ويكون هناك ثأر بايت بين الجهاز الأمني وبين أولئك الذي رفضوا أن يكون أدوات ممسوخة تسمع وتطيع بدون مناقشة أو تفاهم ، وإذا كان قتل 30 بني آدم تم في وضح النهار وأمام أعين العالم كله ، فماذا يكون مصير المعتقلين السياسيين الذين هم في قبضة الأمن ولا يملكون في مواجهة هذه العقلية السادية التي تتمتع بتعذيب الغير أي وسيلة للمواجهة والمقاومة سوي مانسمعه بين كل يوم والثاني أن هناك معتقلين يضربون عن الطعام في السجون المختلفة . أنني أتعاطف بكل مشاعري مع أي مواطن مصري يدخل إلي دوامة الوقوع في الشبكة العنكبوتية لعنف مؤسسات النظام المصري وعلي رأسها وزارة الداخلية المصرية . فنحن في الشارع نري الفوضي والرخاوة والإهمال يظهر في أداء من يمثلون الدولة في الشارع وهم القائمون علي حفظ النظام فيه أولئك هم رجال وزارة الداخلية ، فلا نري انضباط في المرور ولا نري اهتمام برعاية مصالح الناس ، وتري حالة احتجاج يأخذ شكل الفوضي في الشارع المصري ، وبينما يحاذر عادة رجال الأمن من الاحتكاك بالناس في الشارع فإنهم يمارسون العنف المروع في يد من يقع في أيديهم في أقسام الشرطة والسجون .. وآه من السجون .. فالويل للمسجون .. والويل له في فصل الشتاء القارس الذي نعيشه هذه الأيام فهي أصعب أيام السجن ، وأشعر دائما بتعاطف لا حدود له مع أي مسجون أو معتقل سياسي يقود حظه إلي أن يعتقل في شهر يناير بالذات وحدث أنني اعتقلت في هذا الشهر حوالي ثلاث مرات من قبل .. وربنا يستر . هذه الظاهرة تعرف في العلوم الاجتماعية " بتحول العنف " أي يحول رجل الشرطة عنفه إلي من يقع بيده وفي قبضته بعيداً عن أعين المراقبين والمتابعين ويمارس عنفه الوحشي ضد من شاءت لهم أقدارهم الوقوع في فخاخ السلطة الغاشمة ، والآن هناك تقارير تتحدث عن تعرض معتقلين سياسيين للموت ( نشرت المصريون التقرير بتاريخ 27 من شهر ديسمير ) ، عددهم 19 معتقلا هؤلاء ماتوا في السجون المصرية دون معرفة سبب الوفاة ، ومن ثم فالموت للمعتقلين السياسيين المنسيين في السجون المصرية هو أمر جدي ولابد من أخذه علي محمل الجد في ظل ما رأينا من اقتحام علني لمعسكر اللاجئين السودانيين في ميدان مصطفي محمود ، وقتل ثلاثين شخصاً وهو رقم كبير جدا . استراتيجية العنف التي تتبعها الداخلية المصرية في ممارساتها تولد روح العنف في المجتمع كله ، وتولد الاقتناع بأن العنف هو أداة حل المشاكل والخلافات علي كل المستويات الاجتماعية والسياسية ، ولذا أقول : إن عنف الشباب الإسلامي كان تعبيراً نفسيا وربما لا وعي بأن العنف هو أداة الدولة ذاتها في التعامل مع كل قضايا ها ومشاكلها ، وأن العنف هو أداتها في إخضاع مجتمعها ، وبينما تعريف احتكار الدولة للعنف من المفروض أن يكون في الخارج لمواجهة الأخطار الداهمة علي أمنها القومي في الحروب نجد دولتنا فشلت فيه وهزمت في استخدامه في كل معاركها منذ عام 1948 م باستثناء معركة رمضان 1973 م ، وهي اليوم تقول إنها لن تستخدم العنف في مواجهة أعداء الخارج وأنها لا يمكن أن تتجشم مكاره خوض حرب ولكنها تستخدم العنف علي أوسع مدي في حل مشاكلها وتناقضاتها الداخلية وهو مايصدق عليه قول الشاعر : أسد علي وفي الحروب نعامة . نريد دولة تعلن عن احترام كرامة مواطنيها وتعلن نبذ العنف في إدارة صراعاتها الداخلية مع مواطنيها ، نريد دولة تعلن بصراحة وبكل وضوح أنها ودعت للأبد الأساليب الاستثنائية الهمجية في التعامل مع معارضيها وخصومها من أبناء أمتها ووطنها ، نريد بلا تأجيل إعلان إلغاء الطوارئ والإفراج عن المعتقلين السياسيين كأحد أخطر المظاهر المستمرة لعنف الدولة في مواجهتنا جميعاً ، نريد حكم القانون ونريد الاحتكام إلي الصراع السلمي في مواجهة مشاكلنا ، وأحد الملامح المهمة التي ترسخها الحركة الإسلامية اليوم هو الوجه السلمي لإدارة صراعها مع العلمانية والاستبداد وهذا الوجه يمكن ن يقطع نصف المسافة نحو تأسيس تقاليد إسلامية لإدارة الحركة الإسلامية لخلافاتها وتناقضاتها وحتي صراعاتها وتقديم نموذج للمجتمع ليحذو حذوها .