تسارعت ردود الفعل الدولية الغاضبة والعنيفة على النهاية الدموية لاعتصام أكثر من ثلاثة آلاف لاجئ سوداني بميدان مصطفى محمود بمنطقة المهندسين ، حيث أدى تدخل قوات الأمن لمقتل 25 لاجئا سودانيا وإصابة العشرات ، وهو ما وصفه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ب " الحادث المأساوي الذي لا يمكن تبريره" ، بينما عبر المفوض السامي لشئون اللاجئين عن صدمته وحزنه لما حدث ، مؤكدا أنه " لا شئ يبرر هذا العنف وإراقة الدماء " . وأعربت واشنطن عن حزنها لسقوط هؤلاء الضحايا ، بينما أكدت الحكومة السودانية على لسان نائب وزير خارجيتها على احمد كرتي أنها تأسف لمقتل طالبي اللجوء "دون ضرورة". وقال المتحدث باسم الأممالمتحدة "إن الأمين العام أكد أن هذا الحادث المأساوي لا يمكن تبريره"، وأعرب عن أسفه الشديد بأن الوضع لم يحل بطريقة سلمية وعبر الحوار. وكان أكثر من 2500 مهاجر سوداني قد اعتصموا في مخيم نصبوه في حديقة مصطفى محمود بحي المهندسين في القاهرة منذ سبتمبر الماضي مطالبين بنقلهم إلى بلد يعيشون فيه في ظروف أفضل. من جانبه ، قال أنطونيو غوتيرس، المفوض السامي لشؤون اللاجئين، "لقد أصبت بالصدمة والحزن بسبب الأحداث المأساوية التي وقعت اليوم في القاهرة، وعلى الرغم من أننا لا نعرف بعد الصورة الواضحة حول ما حدث إلا أن العنف أدى لوقوع قتلى ومصابين بين صفوف اللاجئين" ، مؤكدا أنه " لا شئ يبرر هذا العنف وإراقة الدماء ". وأكدت المتحدثة باسم المفوضية جنيفر باغونيس، أن المفوضية أبقت الحوار مفتوحا مع اللاجئين وبذلت جهودا كبيرة لحل الوضع مؤكدة أن مثل هذه المواقف يجب أن تحل بطريقة سلمية. وفي المقابل ، انتقدت وزارة الخارجية المصرية تصريحات المفوض السامي لشئون اللاجئين ، معتبرة انه أصدر "أحكاما مسبقة متعجلة". كما ألقى السفير سليمان عواد المتحدث باسم رئاسة الجمهورية بيانا عبر فيه عن أسف مصر لسقوط ضحايا خلال عملية تفريق المعتصمين السودانيين بمنطقة المهندسين. وقال إنه كان يأمل فض الاعتصام الذي استمر 3 شهور بهدوء، خاصة بعد المشاورات التي شارك فيها مسئولون سودانيون ومن مفوضية اللاجئين بالقاهرة. وأعلن عواد أن التدخل المصري جاء نتيجة 3 طلبات كتابية مختلفة، تقدمت بها المفوضية العليا لشئون اللاجئين بالقاهرة . وكان اللاجئون قد طالبوا بترحيلهم إلى بلد ثالث إلا أن المفوضية أكدت أن ذلك القرار يرجع للدول المضيفة ويخضع لسيادتها وليس للمفوضية ، كما أعربت المفوضية في ذلك الوقت عن قلقها حول الوضع الإنساني والصحي المتدهور للاجئين المعتصمين في الحديقة مشيرة إلى أن ذلك الأمر أصبح مصدر إزعاج للسلطات المصرية . وأشارت السلطات المصرية إلى أنها حاولت التفاوض لإنهاء الاحتجاجات وبررت الوفيات التي وقعت بأنها جاءت نتيجة للتدافع مما أدى إلى وفاة البعض منهم ، إلا أن المتظاهرين قالوا إنهم تعرضوا للضرب من الشرطة وأنهم هوجموا بالهراوات والعصي وخراطيم المياه. وقال شهود عيان إن المهاجرين ومن بينهم أطفال ونساء تم إجبارهم على ركوب الحافلات في حين كانوا يقاومون مغادرة المعسكر. وقال أحد المتظاهرين "إنهم يحاولون قتلنا ، مطالبنا مشروعة، من حقنا التظاهر هنا، هذا هو الحق الوحيد الذي نملكه." وأشارت مصادر إلى أن الشرطة المصرية قامت بترحيل المعتصمين والذين يصل عددهم إلى حوالي 3000 لاجئ سوداني إلى معسكرات متفرقة تابعة لأجهزة الأمن على أطراف القاهرة ، ومازال الغموض يكتنف مصير هؤلاء اللاجئين ، خاصة المصابين منهم . وفي سياق متصل ، علمت " المصريون " أن أجهزة الأمن المصرية رفعت حالة الطوارئ خشية أن تتعرض المصالح المصرية في الداخل أو خارج مصر لعمليات إرهابية أو تخريبية من جماعات سودانية ردا على مجزرة اللاجئين السودانيين ، حيث تم فرض إجراءات مشددة على دخول السودانيين مصر ومراقبة بعض العناصر الموجودة. وتوقعت مصادر مطلعة أن تزيد قضية مقتل اللاجئين السودانيين الضغوط الأمريكية والغربية على مصر وهي الضغوط والانتقادات التي تزايدت مع قرار حبس أيمن نور ، كما توقعت نفس المصادر أن تكون قضية مقتل اللاجئين إشارة البدء لتدخلات أجنبية في الشأن المصري بحجة حماية اللاجئين وحقوقهم على الأرض المصرية. ويأتي التعامل العنيف مع طالبي اللجوء في توقيت سيء لنظام الرئيس حسني مبارك الذي يتعرض لانتقادات دولية شديدة بشأن إدارته للشؤون السياسية في البلاد. وانتقدت الادارة الأمريكية مطلع الشهر الجاري الطريقة التي أجريت بها الانتخابات البرلمانية واتهمت القاهرة بأنها ترسل "إشارات سيئة" عن مدى التزامها بالديموقراطية. من جانبها ، استنكرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان أعمال العنف التي صاحبت فض اعتصام اللاجئين السودانيين ، مشيرة إلى أنها شاركت مع عدد من منظمات المجتمع المدني في محاولة لإيجاد حل للمشاكل التي يواجهها طالبو اللجوء وقد شاركت قيادات سودانية في هذه المفاوضات إلا أنها لم تكن قد توصلت إلى حل لهذه المشكلة. وأكدت المنظمة ، في بيان وصلت نسخة منه ل " المصريون " ، "أنه كان من الممكن فض هذا الاعتصام حتى لو طال الوقت دون استخدام القوة المفرطة والذي أدى للنتائج المؤسفة التي حدثت " ، مشيرة إلى أنها " كانت تأمل في أن يعالج مكتب المفوضية العليا لشئون اللاجئين بالقاهرة مشاكل طالبي اللجوء السودانيين باهتمام أكثر وفاعلية وفقا للقوانين المتعارف عليها ". وأهابت المنظمة أيضا بمفوضية شئون اللاجئين والدول المستقبلة للاجئين وضع حد لمعاناة طالبي اللجوء السودانيين بالاشتراك مع المجتمع الدولي ، كما تطالب الحكومة المصرية بفحص حالات طالبي اللجوء السودانيين حتى لا يرحل للسودان من تتعرض حياته أو سلامته للخطر كما طالبت النائب العام المصري بالتحقيق في أحداث العنف ومحاسبة المسئولين عن هذه الأحداث.