يحاول معرض "آلات الله الأوتوماتيكية" الذي تم تنظيمه في "مركز الفنّ وتقنيات الإعلام" بمدينة كارلسروهه الألمانية جاهداً أنّ يمد جسراً جديداً إلى الثقافة العربية-الإسلامية في وقت بلغت فيه معاداة العرب والمسلمين في الغرب حدودها القصوى، ويدحض علمياً التهم التاريخية الموجهّة إلى العرب باعتبارهم مجرد نقلة للعلوم الإغريقية القديمة، وهو ما يعد أمرا مغلوطا. أشرف على المعرض والفهرست المصوّر الفنّان النمساوي بيتر فايبل Weibel المتخصص في التقنيات البصرية والأستاذ في المعهد العالي للفنّون التشكيلية في كارلسروهه زيغفريد تسيلينسكي Zielinski الذي خلف المنظّر الألماني الشهير بيتر سلوتردايك في كرسيّ الأستاذية في هذا المعهد. وذكر موقع "قنطرة" الالماني فى تقرير له أن المعرض يتناول حقبة تاريخية تمتد إلى أربعة قرون من الاختراعات العلمية التي قدمها العرب والمسلمون الناطقون باللغة العربية، وخاصةً أعمال المهندس بديع الزمان بن إسماعيل الجزري (1136 -1206) الذي وضع كتاباً من ستّة أجزاء ويحمل رسوماً توضيحية بعنوان "الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل" وقد أهداه إلى الأمير ناصر الدين، حاكم الدولة التركمانية-الأرتقية في منطقتي ديار بكر وماردين. وأضاف الموقع أن كتاب الجزري حظي باهتمام واسع في أوروبا إبّان القرون الوسطى نظراً لاختراعاته الطريفة، مثلما كان الحال مع الساعة التي أهداها هارون الرشيد لكارل الكبير، شارلمان، ملك الإفرنجة في مطلع القرن التاسع والتي أحدثت ضجّة كبيرة في البلاط الملكي بمدينة آخن، الألمانية الآن. وكانت الساعة مصنوعة من النحاس الأصفر وتحتوي على وعاء من الماء ينظّم الوقت Klepsydra وعلى اثنتي عشرة كرةً نحاسيةً. وكلّما تكتمل دورة الساعة تسقط واحدة منها على قرص معدني فتحدث جلبةً، ثمّ يخرج إثنا عشر فارساً من نوافذهم، فتُغلق بخروجهم النوافذ الاثنتي عشرة الأخرى التي كانت مفتوحة قبل ظهورهم. واشتهر الجزري باختراع المضخّات المائية المزوّدة بعدد من الأسطوانات، وبالإنسان الآلي، مثلما نراه اليوم في شكله ووظيفته المتطوّرين باليابان على سبيل المثال. فصمم دميةً تسقي الخمر أو الشاي وأخرى بحجم الإنسان، فتقدم الصابون والمناشف للمستحمين. واخترع أقفالاً معقدةً لا تفتح إلا عبر أرقام سريّة. وأنتج نحو خمسين آلة أوتوماتيكية بنفسه، ومنها عربة تسير بالبخار مثلما القطار البخاري اليوم. وأعاد زيغفريد تسيلينسكي وفريق عمله تركيب هذه الآلة الموسيقية الأوتوماتيكية وفقاً للخطط التي وضعها بنو موسى قبل اثني عشر قرناً تقريباً. وكان رجال الكنيسة يخشون اختراعات الجزري ويعتبرونها كفراً وتجديفاً، فتحفظّوا على كتابه وحظروا تداوله داخل الأديرة والكنائس ولم يسمحوا إلا لأفراد قلائل في الاطلاع عليه. وكانوا ينظرون إلى كتاب "الحيل" التي تعني الميكانيكا في فهمنا المعاصر، باعتباره ضرباً من التجديف والطعن في الذات الإلهية، ومع ذلك أخفقت الكنيسة في الحيلولة دون أنتشار اختراعاته ذات الطابع العملي. وتشير دائرة المعارف البريطانية إلى أنّ فنّان عصر النهضة الإيطالي ليوناردو دافنشي قد تأثرّ بأعمال الجزري العلمية. ويقول مؤرخ العلوم الأمريكي "جون فريلي" في كتابه "مصباح علاء الدين" الذي ترجم إلى الألمانية بعنوان "أفلاطون في بغداد" إنّ "الغرب أظهر اهتمامه مجدداً باختراعات الجزري ومنها الصمّام المخروطي، [صمّام تنظيم تدفّق المواد السائلة وفق معدل ثابت] الذي نراه لدى ليوناردو دافنشي على سبيل المثال. واستخدم الأوروبيون بعضها استخداماً عملياً مثل مضخّات المياه والنواعير. وتمّ توظيف بعضها الآخر لتزيين المنازل أو لغرض التسلية والترفيه مثل النافورات والآلات الموسيقية الأوتوماتيكية وساعات الماء ومختلف أواني الشرب، وقد تمّ تصويرها على شكل منمنمات". ويبدو أنّ العرب عرفوا الإنسان الآلي قبل زمن الجزري بفترة طويلة تصل إلى أكثر من مئة وخمسين عاماً. فقد ورد في "ديوان المتنبّي" على سبيل المثال عدد من القصائد التي يصف فيها دميةً لها شعر طويل وتدور على لولب وإحدى رجليها مرفوعة وتحمل في يدها باقة ريحان، وتطوف على الجالسين، فإذا وقفت أمام شخص نقرها لتدور ثانيةً، ومنها قوله: وجاريةٍ شعرها شطرُها/ مُحكّمةٍ نافذٍ أمرُها تدور وفي كفّها طاقةٌ/ تضمّنها مكرهَاً شِبرُها فإنْ أسكرتنا ففي جهلها/ بما فعلتهُ بنا عُذرُها