لا يكف الحزب الحاكم عن دعوة المواطنين المصريين للمشاركة فى الحياة السياسية، وهى دعوة يفترض أن تكون موجهة إلى المواطنين كافة، المعارضين منهم والموالين، المقيمين منهم داخل الوطن أو خارجه، وأن تشمل المشاركة السياسية المطلوبة كل صور وأشكال المشاركة، خاصة ما يتعلق منها بممارسة حق التصويت فى الانتخابات. غير أن ما يقال شىء وما يجرى على أرض الواقع شىء آخر. فكل تصرفات الحزب الحاكم تشير إلى عدم تحمس الحزب الحاكم لأى مشاركة سياسية من جانب المواطنين، خاصة إذا لم يكونوا من أنصاره ومؤيديه. وإذا أخذنا موضوع التصويت فى الانتخابات، باعتباره إحدى أهم صور المشاركة السياسية، وقمنا برصد السلوك الفعلى لأجهزة الدولة فسوف نكتشف على الفور أنها تضع كل ما يمكن وما لا يمكن تصوره من عراقيل لتنفير المواطنين من المشاركة فى التصويت، بدءاً بإجراءات استخراج البطاقات الانتخابية وانتهاء بكيفية ممارسة العملية التصويتية نفسها. فإذا كان هذا حال المواطنين فى الداخل، فكيف يكون حالهم فى الخارج؟ لوحظ فى الآونة الأخيرة تزايد قلق المصريين فى الخارج على ما آلت إليه الأحوال فى بلادهم، التى يدركون أكثر من غيرهم أنها تزداد سوءاً، مما دفعهم للتفاعل بشدة مع حالة الحراك السياسى الراهن، والمطالبة بتمكينهم من الإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات فى البلاد المضيفة، بل وترسيخ ممارسة هذا الحق كى يصبح تقليداً منتظماً يتم العمل به فى كل انتخابات مقبلة من الآن فصاعداً. كما لوحظ أيضاً أن أعداداً متزايدة من هؤلاء لم تكتف بالمطالبة وإنما بدأت فى اتخاذ إجراءات قانونية للضغط على وزارتى الداخلية والخارجية لتمكينهم من ممارسة هذا الحق. وكان عدد من المسؤولين المصريين الذين تم الاتصال بهم فى هذا الشأن قد أكدوا تفهمهم لهذه المطالب، التى يكفلها القانون والدستور، وأنهم يدرسون النواحى الإجرائية الخاصة بتفعيل سبل ممارستها، غير أنهم عادوا ليتراجعوا من جديد. فقد صرح أحد مساعدى وزير الخارجية مؤخراً بأن الوزارة لا تنوى فتح مكاتب اقتراع فى قنصلياتها فى الخارج، وأن على المصريين المقيمين خارج البلاد والراغبين فى الإدلاء بأصواتهم أن يعيدوا جدولة مواعيد إجازاتهم بطريقة تمكنهم من المشاركة فى الانتخابات فى مصر!. ويبدو أن هذا المسؤول يعتقد أن المصريين العاملين بالخارج هم من كبار الموظفين أو من المدرسين الذين يقضون إجازاتهم الصيفية فى مصر!. قد يظن حسنو النية أن رفض الحكومة يعود إلى ارتفاع التكلفة المالية أو إلى وجود أسباب فنية معقدة، لكن الحقيقة الواضحة تقول إن الحزب الوطنى لن يسعى مطلقا لتمكين المواطنين المصريين المقيمين بالخارج، الذين يتراوح تعدادهم بين 5 و8 ملايين مواطن، من ممارسة حقهم الانتخابى فى الدول المضيفة، لأنه يدرك تماما أن الأغلبية الساحقة منهم ستصوت ضده. وهذا تأكيد جديد على أن الحزب الوطنى مصمم على سد كل المنافذ التى يمكن أن تفتح طاقة ولو صغيرة للتغيير.