بإقرار التعديلات الدستورية الأخيرة فى البرلمان الباكستانى، يمكن القول إن النظام فى البلد الإسلامى النووى الوحيد تحول من نظام رئاسى سلطوى إلى آخر أقرب إلى النظام الديمقراطى البرلمانى، وإن لم يتأكد بعد مدى ديمقراطية هذا النظام الجديد، بل وقدرته على الاستمرار. وجاء إقرار التعديلات الدستورية بعد أشهر من الجدل والخلافات بين القوى السياسية، وشملت إلغاء مادة من الدستور تخول للرئيس حل البرلمان واستبدال الحكومة، والتى أدخلها النظام الديكتاتورى العسكرى، لتقوم الحكومة المدنية بعد ذلك بحذفها، ليعود الجنرال برويز مشرف إدخالها من جديد عام 2003. وتلزم الإصلاحات التى تم إدخالها على الدستور «زردارى» بالحصول على موافقة مجلسى الشيوخ والنواب لإصدار مرسوم بإعلان حالة الطوارئ، واتباع نصيحة رئيس وزرائه فى تعيين قادة القوات المسلحة، إضافة إلى غيرها من المؤسسات العامة، كما لم يعد بمقدور «زردارى» اختيار القائم بأعمال الحكومة، حيث تم إسناد هذه المهمة إلى البرلمان، أو الحكومات الإقليمية، حيث تلزم التعديلات الجديدة الرئيس باتباع توصيات رئيس وزرائه. وتضع التعديلات الجديدة أطرا جديدة لتعيين قضاة المحكمة العليا، والمحاكم العليا، الذين سيتم اختيارهم بالتقادم من خلال لجنة يشكلها النظام القضائى، وهو الأمر الذى يضع حدا، وفقا للمراقبين، للجدل المحتدم خلال السنوات الماضية. كما أن التعديلات الجديدة تنص على عدم وجود حد لشغل منصب رئيس الوزراء، وهو الأمر الذى يفتح الباب أمام «شريف» لترأس حكومة من جديد فى المستقبل، بعد أن ترأس حكومتين سابقتين، كما تمنح التعديلات حكومات الأقاليم مزيدا من السلطة على مواردها. وتعد هذه التعديلات بمثابة تصحيح للمسار الذى سلكه الرئيس السابق برويز مشرف، إذ قام بتعديلات دستورية منحته سلطات واسعة للغاية، تفوق حتى الرؤساء العسكريين السابقين فى باكستان. يشار إلى أن كثيرا من هذه التغييرات كانت هدفا لقادة أكبر القوى السياسية فى البلاد، الحزب الشعبى الحاكم وحزب الرابطة الاسلامية المعارض، حيث اتفقا زعيماهما رئيسة الوزراء السابقة بى نظير بوتو ورئيس الوزراء السابق نواز شريف خلال فترة نفيه عام 2006 على إبرام ما عرف باسم «قانون الديمقراطية»، والذى وقع فى لندن. ويرى المراقبون أنه على الرغم من أن هذه التعديلات تضعف من سلطات رئيس الدولة، إلا أن سلطات الرئيس الحالى آصف على زردارى لن تضعف، حيث إنه ما زال زعيما لحزب الشعب، و«يتمتع بسلطة كبيرة على الحكومة». كما أن هذه التعديلات لم تحسم سيناريوهات التدخلات العسكرية مستقبليا فى بلد أمضى أكثر من نصف تاريخه تحت حكم ديكتاتوريات عسكرية، ومن بينها نظام محمد ضياء الحق (1977-1988) الذى أمر خلال ولايته بإعدام ذو الفقار على بوتو، الرئيس الباكستانى السابق (1971 - 1973) وواضع الدستور الحالى للبلاد. وتعهدت المؤسسة العسكرية الباكستانية بالإبقاء على دورها «المحترف» فقط فى حماية البلاد، بعيدا عن أى تدخلات فى السياسة الداخلية للبلاد، إلا أن هناك تخوفات من أن يكون هذا الموقف مرهوناً بإدارة المدنيين للدولة بما يلائم العسكريين، فى دولة يحظى فيها العسكريون بسيطرة كبيرة على مجرى الأمور من خلال حربهم على المتشددين، ووقوفهم فى جار نووى متفوق فى الأسلحة التقليدية (الهند).