منذ فجر الضمير وحتى ضمير هذه اللحظة والوعى الإنسانى يحاول الموازنة بين ما فيه مصلحة الفرد وبين مصلحة المجموع.. وحركة التاريخ تتأرجح وتتقدم وتتراجع بفعل نجاح أو إخفاق الوعى الإنسانى فى إحداث هذه الموازنة. ومنذ ظهور شخصية البرادعى متصدرة المشهد السياسى المصرى حتى تبدى جلياً هذا الصراع داخل عقول نخبة هذا الوطن بل إن هذا الصراع تحول إلى ارتباك شديد وفريد وسرعان ما تحول إلى تقاتل وتناحر، ولا أدرى هل ذلك يعبر عن فوضى النخبة أم نخبة الفوضى؟.. بمعنى هل هذا الارتباك فى عقول النخبة تعبير عن حالة العقل الجمعى فى هذه اللحظة التاريخية المتسمة بالفوضى أم أن الفوضى التى تظلل على كل حياتنا هى التى أفرزت هذه النخبة.. وباعتبارى رجلاً مهنته الدراما فإنى أرى المشهد السياسى بالفعل ظهر به شخصية درامية أثرت فى نقطة انطلاق الدراما والتى ستشعل الصراع المؤدى حتماً إلى ذروة يتمناها كل فريق بشكل يتفق إما مع قناعاته أو مصالحه. وبنظرة سريعة على الخريطة السياسية للمشهد السياسى نرى أن النخبة قد تشرذمت وانقسمت إلى أكثر من فريق وكل فريق يدفع فى الاتجاه الذى يرى أنه سيصل به إلى النتيجة التى تروقه. فها هو فريق أول يؤيد باستماتة حق الرجل فى الترشح للرئاسة ويراه هو الحل الأوحد للانتقال السلمى للسلطة بشكل ديمقراطى وتجنيب مصر ويلات فوضى عارمة لن تذر حرثاً ولا زرعاً ومن هذا الفريق من يناضل مخلصاً من أجل هذا الهدف ويدرك أن احتمالات المكسب والخسارة واردة ولديه الاستعداد لدفع ضرائب موقفه فى حالة الخسارة لأنه لا يريد إلا وجه الوطن ومن نفس الفريق السابق بجانب نفس الإخلاص والإيمان والاستعداد يرى ما هو أهم متمثلاً فى المكانة التى تنتظره هو شخصياً أو الموقع الذى يلوح فى الأفق ويجب الدفاع من أجل الحصول عليه بأى ثمن.. والفريق الثانى يرى أن السياسة هى ملعبه وأنه قد أفنى عمره فى العمل السياسى ويجىء من يقطف ثمار الحراك السياسى والاجتماعى على مدار سنوات كان فيها فاعلاً ومفعولاً به، يجىء من يقطف هذه الثمار وبالبلدى «ياخدها على الجاهز» بل ويرى أعضاء هذا الفريق كل على حده أنه الأولى بالترشح والفوز طالما أن هناك إمكانية لذلك فى ظل كفر الشعب بالنظام الحالى وببديله الظلامى- على حد تعبيرهم- أو فى أقل التقديرات يرى فى نفسه الإمكانيات التى تؤهله للعب دور المعارض الأساسى للنظام والمقبول منه تكملة لشكل وديكور العملية الديمقراطية. والفريق الثالث يرى أنه لا فائدة من كل ذلك والأمر محسوم فى النهاية لمبارك ونجله وفى أحسن الحالات لشخصية تنتمى للمؤسسة العسكرية وتأتى هذه القناعة من إدراك هذا الفريق أن مصر بها أقدم سلطة مركزية فى التاريخ وحركة التاريخ بهذا البلد تثبت مراراً وتكراراً أنها مرهونة بما يحدث فى المركز ولا تتأثر كثيراً بالأطراف. ومن هذا الفريق الثالث من هو مخلص ليس له مأرب أو أهداف شخصية ولكن هذا ما يراه ويعتقده فيرى أن توفير طاقته أجدى من محاربة طواحين الهواء. ومن نفس هذا الفريق ينشق فريق آخر وصل إلى نفس القناعة ولكن يرى أن باستطاعته تحقيق مصالح شخصية أو مواقع سياسية بادية فى الأفق لو شمر عن ساعديه وهاجم الفريق الأول أو الثانى وساهم فى دحره. وفريق رابع يرى أن ذلك كله حرث فى البحر وأنه البديل الوحيد لهذا النظام طال أم قصر استمراره وسينتهز الظرف المواتى للانقضاض والوثوب عندما ينتقلون من مرحلة الاستضعاف إلى مرحلة التمكين. وفريق خامس وجد نفسه والآخرين فى حالة الارتباك ففضل الصمت والابتعاد وممارسة عادة الفرجة من بعيد والنأى بنفسه عن طريق بقدر ما سيحصل منه على غنائم إن راهن وكسب رهانه بقدر ما سيدفع من ضرائب لا يستطيع دفعها فى حالة خسارته للرهان. فهل ونحن نقترب من موعدنا مع القدر فى العام 2011 سيتزايد الارتباك وستتجلى الفوضى أكثر؟.. أم أن هناك ما يجمع حبات هذا العقد المفروط من عقول الأمة نحو كلمة سواء يدرك فيها الجميع مسؤوليته التاريخية فى صنع مستقبل أفضل لهذه الأمة؟.. هل تتخلى هذه النخبة وتخلع عن نفسها رداء المصلحة الشخصية وترتدى رداء الصالح العام وتتفق على الحدود الدنيا التى تحقق التفافا واسعاً حولها؟.. هل صعب أن تدرك كل هذه الفرق فيما عدا نخبة النظام الحالى- هل صعب أن تدرك أن انتقال مصر لعصر ديمقراطى مرهون بثلاثة أمور لا رابع لها: إشراف قضائى كامل على الانتخابات.. ألا تزيد فترة ولاية الرئيس على فترتين.. أن تزول الشروط التعجيزية للترشيح لمنصب الرئيس. هل من الصعوبة أن يلتف الجميع حول هدف تغيير ثلاث مواد فى الدستور 88، 77، 76 وتؤجل خلافاتها وتتخلى عن أجندتها الشخصية لفترة وجيزة لن تتجاوز السنة الواحدة حتى نصل جميعاً بهذه الأمة لطريق الخلاص..؟! إن انعتاق هذه الأمة لن يتحقق إلا بتحرير عقول نخبتها من ضيق الأفق وقصر النظر وتشوش الرؤية.. إن هذا الشعب المسكين والعظيم فى نفس الآن هو بانتظار توحد نخبتها كى يرى بوصلته جيداً ويشارك عملياً فى التغيير. إننى أدعو وبشكل واضح لمؤتمر قومى عام تشارك فيه كل العقول بلا استثناء لوضع خطة عمل لحشد كل طاقات المجتمع المصرى لإحداث التغيير.. وفى حالة النجاح فلنتقاتل مرة أخرى كما نشاء لأن ساعتها سيكون الحكم هو الشعب والذى يقرر ويختار هو الشعب.. باختصار سيكون الشعب هو الحل. مخرج سينمائى