برر المناضل الفلسطينى مروان البرغوثى، اختياره «الأداء التشريعى والرقابى والسياسى للمجلس التشريعى، وإسهامه فى العملية الديمقراطية فى فلسطين»، موضوعاً لرسالة الدكتوراه التى حصل بموجبها مؤخراً على الدرجة بامتياز مع مرتبة الشرف من معهد البحوث والدراسات العربية، بأنه اختار الموضوع انطلاقا من الأهمية البالغة التى تلعبها السلطة التشريعية فى أى نظام سياسى يتطلع لإرساء مبادئ الديمقراطية فى أى بلد وأى دولة. استغرق البرغوثى فى إعداد رسالته أكثر من 11 سنة، كان أصعب ما فيها الحصول على الكتب والمراجع، خاصة أنه أسير فى السجون الاسرائيلية، التى لا توجد بها سوى كتب هزيلة للغاية، على حد وصف زوجته فدوى، ولا تسمح السلطات الإسرائيلية إلا بدخول 4 كتب فقط لكل سجين فى الزيارة، فلم تجد زوجته سوى الاتفاق مع زوجات المعتقلين معه فى نفس السجن على أن يحملن الكتب التى يريدها البرغوثى، ويسلمنها لأزواجهن الذين يسلمونها بدورهم إلى مروان. تحتوى الرسالة التى حصلت «المصرى اليوم» على ملخص لها، على 8 فصول عن تاريخ التشريع الفلسطينى، ويعرج فيها الباحث على القضية الفلسطينية التى قال عنها البرغوثى إنها احتلت ومازالت مكانة مهمة على الساحة الدولية، ومرت بالعديد من المراحل التاريخية المهمة طوال قرن من الزمان، مشيراً إلى أن اتفاقية اعلان المبادئ «أوسلو» التى أبرمت فى سبتمبر 1993، من أهم المحطات السياسية فى القضية، إذ ترتب عليها الإعتراف المتبادل بين منظمة التحرير وإسرائيل، وقامت أول سلطة وطنية على جزء من التراب الفلسطينى، كما ترتب عليها إجراء أول انتخابات رئاسية وتشريعية، وهى أول ممارسة ديمقراطية سياسية وعامة للشعب الفلسطينى منذ بدء الاحتلال. موضحاً أنه استفاد من تجربته الخاصة بصفته عضواً فى المجلس التشريعى منذ تأسس عام 1996 وحتى الآن، لافتاً إلى أنه وضع خلاصة تجربته السياسية والبرلمانية فى رسالته التى توصل من خلالها إلى 29 نتيجة، و6 توصيات. واعتبرت الرسالة فى نتائجها أن الاحتلال الإسرائيلى يشكل عائقا حقيقيا لعمل المجلس التشريعى بالقيود التى تفرضها الاتفاقيات والتى تحد من الصلاحيات وتقلصها فى قضايا جوهرية مثل القدس، والأرض، والاستيطان، والحدود، والمعابر، والاعتقالات، والأسرى، حيث لا يستطيع المجلس تنفيذ القرارات والقوانين التى تخص هذه القضايا لخضوعها لسيطرة الاحتلال، كما اعتبر أن مقاطعة الفصائل الفلسطينية الرئيسية، مثل حماس، والجهاد، والجبهة الشعبية، للانتخابات الأولى أثرت بشكل سلبى على المجلس وأدائه وعمله. وأكد البرغوثى أن منظمة التحرير الفلسطينية وقياداتها عملوا على إضعاف المجلس التشريعى، موضحاً أن البرلمان الفلسطينى تعرض للإضعاف على يد الرئيس، وحكومته، والأجهزة الأمنية التى همشته، منتقدا عدم وجود دور للمجلس فى صنع القرار الفلسطينى، وعدم ممارسته أى رقابة سياسية على الرئيس وطاقم المفاوضات. وشكا البرغوثى فى الرسالة من طغيان سلطة الرئيس فوق أى سلطة، مشيراً إلى أن حصاد المجلس التشريعى كان متواضعاًَ جداً فى سن القوانين والتشريعات، موضحاً أنه لم يصدر على مدار 10 سنوات سوى 100 قانون، كما انتقد فشل المجلس فى وضع منظومة قوانين تشكل البنية التشريعية للدولة، كما لم يمارس حقه الدستورى فى سحب الثقة من الحكومة مطلقا، وكان دوره ضعيفاً فى مكافحة الفساد، كما فشل تماماً فى حماية حرية الصحافة والإعلام، وفى إجبار الرئيس وحكومته على احترام استقلالية القضاء، وتنفيذ الأحكام القضائية، فضلا عن عدم نجاحه فى إجبار الحكومة على تقديم موازنة سنوية فى مواعيد محددة. واعتبر البرغوثى أن مشاركة 50 نائبا من أصل 88 نائبا كوزراء فى الحكومات المتعاقبة، أضعفت المجلس وأثرت على استقلاليته، وجعلت أعضاءه موالين للحكومة، مؤكدا أن الانقسام الفلسطينى، وسيطرة حركة «حماس» على قطاع غزة سبّباً شللا للبرلمان ووجها ضربة شديدة للديمقراطية فى فلسطين. فى المقابل أشار البرغوثى إلى سلسلة من النجاحات، أهمها نجاح المجلس فى إقرار دستور مؤقت ديمقراطى وعصرى، والتخفيف والحد من انتهاكات حقوق الإنسان، ومارس دورا مقبولا فى الرقابة وتوجيه الأسئلة للوزراء، كما أصدر قانونا انتخابياً يخصص 20 % من المقاعد للسيدات، مما شكل تطورا مهماً لمشاركة المرأة فى الحياة السياسية، فضلاً عن أنه حقق إنجازات مهمة على صعيد العلاقات الخارجية، كما أسهم فى نقل السلطة بعد وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات. وحددت الرسالة 6 توصيات للخروج من هذا الوضع، أبرزها ضرورة حسم نوع النظام السياسى الذى يناسب الفلسطينيين فى مرحلة تداخل مهمتى التحرر الوطنى، وبناء مؤسسات الدولة، وكذلك إخضاع المؤسسة الأمنية للرقابة السياسية، وإنهاء أى دور أو تدخل لها فى الحقل السياسى، وبناؤها على أساس وطنى ومهنى بعيدا عن نزاعات الفصائل والأحزاب، ومنها أيضاً حظر أى نشاط سياسى داخل المؤسسة الأمنية التى يجب أن تدافع عن الوطن بعيداً عن الصراعات السياسية، مشدداً على ضرورة إخضاع القوى الأمنية للحساب والمساءلة. وطالبت الرسالة بضرورة تكريس مبدأ فصل السلطات وسيادة القانون واسقلال القضاء، وتفعيل دور البرلمان فى عملية الإصلاح، ومكافحة الفساد، والكسب غير المشروع. واختتم البرغوثى رسالته بتساؤل: «هل يمكن بناء التجربة الديمقراطية فى ظل الاحتلال، وهل يمكن بناء ديمقراطية خارج وعاء الاستقلال الوطنى وسياج الدولة الوطنية المستقلة، وهل يمكن الجمع بين بناء الوطن وبناء نظام ديمقراطى، وهل تسمح شروط عملية التحرر الوطنى بالعمل الديمقراطى، والأهم هل يمكن بناء نظام ديمقراطى فى ظل أحزاب وفصائل وقيادات تفتقد الثقافة الديمقراطية؟، معتبراً أن السؤال الأكبر هو: هل تسمح إسرائيل بقيام دولة ديمقراطية للفلسطينيين؟.