لم تكد تركيا تهدأ من تداعيات اعتقال ومحاكمة عدد من ضباط الجيش الحاليين والسابقين بتهمة التآمر للانقلاب على حكومة «حزب العدالة والتنمية» ذات الجذور الإسلامية، حتى فوجئت الساحة السياسية بأن الحكومة التركية ستقدم تعديلات على الدستور قبل نهاية مارس الجارى، تركز على موضوعات مثل القضاء والمواد المتعلقة بحظر الأحزاب السياسية بحسب ما أعلنه رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوجان. ويبدو أن أردوجان يسير بخطى هادئة متزنة نحو إرساء استقرار سياسى فى تركيا يحول دون الانقلابات المتكررة على الأنظمة السياسية، ولعل أكبر ضمانة لذلك تكمن فى تعديل الدستور، إذ إن الدستور الحالى يسمح بحظر الأحزاب السياسية، وكاد حزب «العدالة والتنمية» نفسه يتعرض للحل من قبل، ولكن الأمر انتهى بعقوبات جزائية لم تحل دون استمراره فى إدارة الحكومة. ولكن من ناحية أخرى، يقول موقع «العربية نت» الإلكترونى إن تعديل الدستور كان مطلباً رئيسياً من الاتحاد الأوروبى للنظر فى عضوية تركيا، وبهذا يكون التعديل خطوة أساسية نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، الذى طالما تنشده تركيا. ومهما يكن موقف الاتحاد الأوروبى من تلك الخطوة، فإن أردوجان فى طريقه لأن يجعل من الإرادة الشعبية عبر العملية الديمقراطية الأساس، بينما لم يعد «شبح الانقلابات» ممكناً، ولن يكون مقبولاً، وكشفت وسائل الإعلام التركية أمس - نقلا عن مصادر بالحزب الحاكم - عن بعض ملامح حزمة التعديلات الدستورية، موضحة أنها تتضمن العديد من المفاجآت، وأهمها منح الضباط المبعدين من الجيش بناء على قرارات مجلس الشورى العسكرى، حق الطعن أمام القضاء للمطالبة بحقوقهم، لاسيما المبعدين بتهمة التورط بما يسمى «الفعاليات الدينية الرجعية». وأضافت المصادر أن المفاجأة الثانية فى حزمة التعديلات تتعلق بتعديل المادة الدستورية 129 لإتاحة الفرصة أمام موظفى الحكومة لمراجعة القضاء للمطالبة بحقوقهم فى حالات توقيع عقوبات إدارية أو مالية أو النقل إلى مكان آخر، كما تتضمن التعديلات سحب صلاحية حماية أمن حدود البلاد من الجيش لتسليمها لقوات الشرطة، وإجراء تعديلات على مسودة أمن الانتخابات لمنع ممارسة الضغوط على الناخب قبل توجهه إلى صناديق الاقتراع. أما فيما يتعلق بالإصلاحات القضائية، فذكرت صحيفة «صباح» أن الحكومة تخطط لإدخال تغييرات على بنية المجلس الأعلى للقضاة والمدعين الجمهوريين لزيادة عدد أعضائه إلى 21 عضوا يتم اختيارهم بواسطة مجلس الدولة ومحكمة الاستئناف والبرلمان ورئيس الجمهورية وأكاديمية القضاء، وذلك للحد من نفوذ مجلس الدولة ومحكمة الاستئناف فى اختيار أعضاء المجلس. وفى إطار التحقيق فى الخطة المزعومة للانقلاب على الحكومة المسماة «المطرقة»، وجهت محكمة فى إسطنبول أمس الأول التهمة إلى ضابطين فى الجيش، ليرتفع عدد العسكريين المتهمين فى القضية إلى 37 كما أفادت وكالة أنباء الأناضول. ورغم أن المؤسسة العسكرية أطاحت ب4 حكومات فى ال50 عاماً الماضية، لكن نفوذ الجيش التركى تقلص كثيراً السنوات الأخيرة، ومن الواضح أن حزب «العدالة والتنمية» يحاول تقليصه أكثر بإصلاحات دستورية، مستفيدا من شعبيته ومن ضغوط الاتحاد الأوروبى الذى يحاول تحجيم دور المؤسسة العسكرية لتستجيب تركيا لمعايير الديمقراطية الأوروبية.