بعودته إلى واشنطن وخطابه الرابع أمام جلسة مشتركة للكونجرس الأمريكي، حطم رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الرقم القياسي لرئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل ليصبح بذلك أكثر من تحدث أمام مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكين، من الزعماء الأجانب. زيارة الرجل المثير للجدل الذي اجتذب الآلاف المحتجين المناهضين لإسرائيل إلى شوارع واشنطن، عكست طبيعة العلاقة بين واشنطن وذراعها في المنطقة العربية؛ واستنكرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية رغم حالة الاحتفاء «المصطنع» التي أظهرها المشرعون الجمهوريون بتصفيقهم الحار للرجل المتهم بارتكاب جرائم إبادة جماعية. نتنياهو ينتحر سياسيًا في مقال له بصحيفة «هآرتس» الإسرائلية، قال المحلل السياسي اليساري سام بيرتس إن زيارة نتنياهو للكونجرس عسكت رحلة سنوات من «التدمير الأخلاقي لإسرائيل»، وفق تعبيره. وأكد «بيرتس» أن الزيارة استدعت المزيد من الغضب الدولي ضد إسرائيل نظير إبقاء واشنطن على حكومة ننياهو، معتبرا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي حصل على ما أراده من زيارته للكونجرس عبر التصفيق الحار، «انتحر سياسيا»؛ نظرا لأن أكثر من 70% من الإسرائيليين يقولون إنه يجب أن يستقيل. المفارقة أن صحيفة «يديعوت أحرونوت» ذات الميول اليمينية اعتبرت في مقال لمحررها أفيجيل عوزي، أن الهدف من زيارة نتنياهو للكونجرس هو الحصول على المزيد من الإسناد الأمريكي بسبب مخاوفه الجدية بشأن التحقيق في جرائم ارتكبها في غزة، معتبرا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يعاني «هوسًا» من المسائلة داخل إسرائيل أو أمام الجنائية الدولية إثر توثيق وقائعها. أسوأ خطاب أمام الكونجرس.. هل يقلب السحر على الساحر؟ على الصعيد الأمريكي، وصفت رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيولسي خطاب نتنياهو الذي لم يقدم أي إشارة ضئيلة إلى وجود خطة لإنهاء الحرب في غزة بأنه «أسوأ خطاب لشخصية أجنبية أمام الكونجرس». ونقل موقع «فوكس نيوز» الأمريكي عن نمرود نوفيك، العضو في «منتدى السياسة الإسرائيلية» وكبير مستشاري السياسة الخارجية لرئيس الوزراء السابق شمعون بيريز قوله إن: «السحر سينقلب على الساحر»، إذ اعتبر المسؤول الإسرائيلي أن واشنطن التي كانت بمثابة صمام أمان لنتنياهو، والمكان الذي كان يمكنه الاعتماد فيه على الدعم القوي ستتلاشى بسبب سياسات نتنياهو. وتابع مستشار شمعون بيريز بالقول: «اختفى السحر وانتهى عهد الرجل الذي أتقن الحركات البهلوانية اللفظية، مع اتساع نطاق الانتقادات لإسرائيل في الولاياتالمتحدة». واعتبر موقع «فوكس نيوز» أن خطاب نتنياهو كان دفاعيًا بشكل ملحوظ، إذ كرسه لدحض الانتقادات الموجهة له داخل إسرائيل بدلا من وضع خطة للخروج من المستنقع الذي وضع نفسه فيه. مستنكرا مهاجمة نتنياهو للمتظاهرين المناهضين لإسرائيل في الولاياتالمتحدة واتهامهم بأنهم «أغبياء» يخدمون الأجندة الإيرانية، وإشارته بأصابع الاتهام لرؤساء الجامعات وسخريته منهم بالقول إنه «من المرجح أن يكون هذا أول خطاب حول سياسة الشرق الأوسط يتضمن صيحة للإخوة في جامعة كارولينا الشمالية». ملامح السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط على الصعيد العربي اعتبر الدكتور صلاح عبدالعاطي، رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن الشعب الفلسطيني أن الزيارة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن ملامح السياسة الأميركية تجاه أزمات الشرق الأوسط لن تتغير على الرغم من التحولات السياسية الداخلية الكبرى التي شهدتها منطقتنا في الآونة الأخيرة. وأضاف المحلل الفلسطيني في تصريحات ل«المصري اليوم» أن زيارة نتنياهوللكونجرس في هذا التوقيت تعكس رغبة أمريكية- تحركها الدولة العميقة - للإبقاء عليه رغم حركة الاحتجاج واسعة النطاق ضده في الشارع الأمريكي وفي الداخل الإسرائيلي، مشيرا إلى انتقاد المعارضة الإسرائيلية وأهالي الأسرى لنتنياهو وللزيارة. واستنكر المحلل الفلسطيني خطاب الكراهية الذي بثه نتنياهو واتهم فيه الأمريكيين المعارضين لسياساته ب«الإرهاب»، معتبرا أن النخبة الأمريكية متمثلة في أعضاء الكونجرس باتت تؤسس لشرعنة الإبادة وتستبدل شريعة الغاب على مباديء الإنسانية والقانون الدولي مستعينة بنفوذها السياسي والاقتصادي وبذلك تصبح وإسرائيل خطرا على الانسانية ويجب محاكمتهم معها امام الجنائية الدولية بعدما أنتهت أوهام التسوية مع الاحتلال برعاية الولاياتالمتحدة التي تقف مع إسرائيل على حساب أمن المنطقة العربية، مختتما بأن الولات المتحدة باتت تدعم علانية مبدأ التوسع والإبادة وتظهر إلى أي مدى يتحكم اللوبي الصهيوني في أركان الكونجرس الأمريكي. أمريكا تحمي ذراعها السياسية والعسكرية في المنطقة في السياق ذاته ذهب المحلل الفلسطيني أيمن الرقب إلى أن الدولة العميقة هي من تحكم سياسات الولاياتالمتحدة تجاه إسرائيل، معتبرًا أن زيارة نتنياهو للكونجرس ما هي إلا انعكاس لرغبة الولاياتالمتحدة للإبقاء على مشروعها في المنطقة العربية والذي تأسس في اعقاب الحرب العالمية الثانية متمثلًا في «إسرائيل» لحماية مصالحها فيما يعرف أمريكيا ب«الشرطة الامريكية في الشرق الأوسط». وأكد خطورة توظيف إسرائيل ب«البعد الديني» في هذا الصراع الاستعماري الذي تقوده الصهيونية العالمية وما سيؤدي له من اتساع نطاق النزاعات المسلحة في المنطقة العربية، مشددًا على أن حالة التصفيق الحار المصطنع التي أظهرها المشرعيين الجمهوريين للرجل المتهم بارتكاب جرائم إبادة ما هي إلا دليلا على تحكم اللوبيات اليهودية في مفاصل الكونجرس. أشار الرقب إلى امتلاك معظم هؤلاء المشرعين أسهم في شركات الأسلحة المنتفعة من استمرا الحرب على القطاع، كما أعادنا المحلل الفلسطيني لما قاله المفكر المصري، عبدالوهاب المسيري، في مقاله «الشرق الأوسط الجديد في التصور الأمريكي-الصهيوني»، الذي جاء فيه أن «الإستراتيجية الغربية تجاه العالم العربي منذ منتصف القرن 19 تنطلق من الإيمان بضرورة تقسيمه إلى دويلات إثنية ودينية مختلفة، حتى يسهل التحكم فيه في المنطقة إطار عبر الدولة الصهيونية الاستيطانية، المغروسة غرسا في الجسد العربي عبر عملية تطبيع قسري للدولة الصهيونية التي تعاني من شذوذها البنيوي، باعتبارها جسدا غريبا غرس غرسا بالمنطقة العربية بالقوة القاهرة». وأشار الرقب إلى الأكاذيب التي ساقها نتنياهو أمام الكونجرس مصورا نفسه أنه بطل يقود صراع بين الهمجية والحضارة وزعيم ينفذ اليهود من النازية الجديدة، مؤكدًا أن حديث نتنياهو عن «تحالف إبراهيمي» جديد لمكافحة ما أطلق الارهاب في المنطقة العربية مجرد أضغاث أحلام، مؤكدا أن السلام مرتهن بتسوية القضية الفلسطينية