خطوات الحصول على نتيجة تنسيق المرحلة الأولى 2024 من الرابط المعتمد    أسعار الذهب اليوم الأحد 18-8-2024 في محلات الصاغة    أسعار المانجو في سوق العبور اليوم.. الكيلو يبدأ من 12 جنيها    قطع وضعف مياه الشرب في عدد من المناطق ب3 محافظات لأعمال الصيانة    أسعار الدولار اليوم الأحد 18 أغسطس 2024    سعر الحديد اليوم الأحد 18-8-2024 بعد الارتفاع.. كم وصل سعر طن الحديد اليوم؟    بلينكن في إسرائيل لدفع صفقة التبادل.. وحماس تستبعد اتفاقا وشيكا    الجيش الأوكراني: دفاعاتنا الجوية تتصدى لهجوم جوي روسي على كييف    جوتيريش يشيد بقرار السلطات السودانية بإعادة فتح معبر "أدري" بين تشاد ودارفور    نجم منتخب مصر السابق يكشف.. هل استفاد الأهلي من مشاركة الناشئين في الدوري ؟    عاجل.. السبب الحقيقي وراء فشل الأهلي في حسم صفقة بن رمضان    تعليق مثير للجدل من حكم دولي بشان التحكيم في مصر    حالة الطقس اليوم.. نشاط الرياح والحرارة العظمى تصل إلى 38 درجة    مدير المركز الصحفي لمهرجان العلمين: المدينة ساحرة والجميع مستمتع    لهذا السبب.. مي عز الدين تتصدر التريند    إعلام فلسطيني: اشتباكات عنيفة غرب مدينة رفح بقطاع غزة بالتزامن مع دوي انفجارات    اليونيسيف: 640 ألف طفل في غزة حياتهم معرضة للخطر    مصر ترفع درجة الاستعداد بعد انتشار الكوليرا في السودان (فيديو)    "الديهي" يكشف تفاصيل المحادثة الهاتفية بين وزير الخارجية المصري ونظيره الإيراني    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 18 أغسطس    ما حكم عدم إخراج العقيقة للمستطيع؟ «الإفتاء» توضح    وزير الثقافة يشهد حفل ختام المهرجان القومي للمسرح تفاصيل.. صور    نسمة محجوب ل«الوطن»: «بستنى مهرجان القلعة كل سنة وبجهز له شغل مختلف»    تفاصيل زلزال روسيا العنيف.. قوته 7.2 درجة وتسبب في هزات ارتدادية    «الإفتاء» توضح حالات ترديد دعاء الاستخارة بدون صلاة    «أنا عنيد».. رد مثير من كهربا بشأن علاقته مع كولر    إعصار إرنستو المدمر يقطع الكهرباء في برمودا دون سقوط ضحايا    مصرع زوجين و3 من أبنائهما في حادث تصادم على محور الضبعة | صور    بسبب خلافات الجيرة.. مُسجل خطر ينهي حياة شاب بزجاجة في بنها    مصرع طفل أسفل عجلات قطار بكفر الشيخ    عاجل - أيام الدراسة والإجازات الفعلية.. العام الدراسي 2025    ريلمي الهاتف الأروع والاكثر اقتصادية "آيفون الغلابة"    جيش الاحتلال يعلن مقتل ضابط آخر فى معارك وسط غزة    آلاف الإسرائيليين يطالبون بعقد صفقة تبادل وإقالة حكومة نتنياهو    حدث في منتصف الليل| قطع المياه بهذه المناطق بالجيزة.. وآخر تطورات مرض جدري القردة    قطع الكهرباء عن ضواحي حي فيصل بالسويس 4 ساعات.. تعرف على المناطق والمواعيد    الجيل: قانون الإجراءات الجنائية أحد مكاسب الحوار الوطني ويعزز حقوق المواطنين    21 صورة من حفل ختام المهرجان القومي للمسرح    لؤى يكشف سر غيابه عن الساحة الفنية ويعلن عن سينجل جديدة    قد تجد الإلهام في مكان غير متوقع.. برج الجوزاء اليوم 18 أغسطس    مصروفات وتنسيق جامعة مايو لطلاب الثانوية 2024 - (تفاصيل)    بناء على طلب أسرة المتوفي.. جلسة صلح في قضية أحمد فتوح.. اليوم    وقت صلاة الفجر اليوم الأحد ودعاء في جوف الليل    موعد مباراة تشيلسي ضد مانشستر سيتي في الدوري الإنجليزي والقنوات الناقلة    محافظ الإسماعيلية يفتتح أعمال تطوير شارع عرابي وتحويله لمتنزه عام    بسبب المياه الملوثة والبيئة.. السودان يٌعلن تفشي وباء الكوليرا رسميًا    «مش هيبقى في ولاد أكابر».. أحمد موسى يكشف مزايا تعديل نظام الثانوية العامة (فيديو)    أزهر الأقصر يهنئ أحد أبنائه بعد حصوله على الدكتوراه في "الدعوة والثقافة الإسلامية"    السودان يعلن رسميا تفشي وباء الكوليرا    سامي قمصان: لا أحب لقب الجندي المجهول وأشكر شباب الأهلي    أحمد كريمة يكشف مفاجأة: لا يوجد نص أو حديث يحرم الموسيقى والغناء (فيديو)    ضبط 3 متهمين بتهمة سرقة مجوهرات من محل مشغولات ذهبية بالتجمع    أول تعليق من إيلون ماسك على إغلاق مكتب "X" في البرازيل    نال حُسن الخاتمة.. تفاصيل وفاة مؤذن مسجد أثناء انتظاره صلاة الجمعة داخل مسجد بالدقهلية (فيديو)    6 أطعمة نجنبها.. تُهدد صحة قلبك وتسبب مشاكل في معدتك    قبل بدء الموسم، أهم المعلومات عن تطعيم الإنفلونزا الجديد    أول قرار من جوميز بعد تعادل الزمالك أمام بلدية المحلة    اليوم.. محاكمة سائق اللودر المتهم بإنهاء حياة مهندس في التجمع الخامس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدوات «يوليو 52» وآليات استمراريتها
نشر في المصري اليوم يوم 15 - 07 - 2024

التجربة السياسية المصرية غنية وفريدة حقاً، إذ تمتد نحو مائتى عام فى العصر الحديث، تشكل خلالها نظامنا السياسى بالتراكم والتدريج. وكل نظام سياسى لبلدٍ من البلاد، هو بالضرورة ابن لتجربتها التاريخية. حتى لحظات الانقطاع فى تاريخ الأمم، التى يبدو فيها أن النظم السياسية تُغير جلدها كليا وتتخذ طريقا مختلفا يناقض المسار التاريخى- كما الحال من الثورات الكبرى والتغيرات العنيفة فى نظام الحكم- حتى لحظات الانقطاع هذه تخضع فى النهاية للقيم والأفكار الراسخة والمتجذرة فى عمق التجربة السياسية للأمة.
معنى هذا أننا لو أردنا تصور مسار الأمة المصرية، فإن الأجدر بنا أن نتأمل تجربتنا السياسية نحن ومسارنا التاريخى نحن، قبل أن نُجرى المقارنات مع التجارب الشبيهة فى العالم، أو نستلهم الخبرات والدروس من مسارات الآخرين. ذلك أن الخيال السياسى الذى يحكم المصريين (أى تصوراتهم عن الواقع، والقيم السياسية العميقة الراسخة فى أعماق وجدانهم) هو بالضرورة وليد لتجربتنا، والأحداث التى تعاقبت علينا، والخبرات التى راكمناها.
والناظر إلى الحالة المصرية يُمكنه بالطبع العودة إلى «نقطة أساس» تاريخية بعيدة، هى تكون الدولة الحديثة فى عهد محمد على قبل أكثر من قرنين من الزمان. وبوسعه بعد ذلك أن يمر على تجربة الاحتلال الإنجليزى، وتبلور الوعى القومى فى خضم السعى للاستقلال، مروراً بمولد «الأمة المصرية» نفسها فى مرجل ثورة 1919 المجيدة، ثم خبرتنا مع التعددية الحزبية المُقيدة تحت الاحتلال، مع وجود نظام ملكى. هذا المسار كله هو جزء من تجربتنا السياسية، وأثره فى الحاضر- وإن بدا خافتا بعيدا كظل باهت- لم يختفِ كليا أو يُمحى تماما. والأمر هنا يُشبه إلى حد بعيد أثر ذكريات الطفولة فى تكوين وجدان الشخصية. هو أثرٌ غائر عميق، ولكنه لا يظهر حتى للإنسان نفسه.
أما التجربة الأكثر تأثيرا فى الوجدان السياسى المصرى، فهى ثورة يوليو 1952. هى الأشد أثرا فى حياتنا السياسية الحاضرة لأسباب لا تخفى. السبب الأهم هو أن النظام السياسى الذى نعيش فى ظله، موروث من يوليو التى أسست للجمهورية المصرية.
وبطبيعة الحال، ليست يوليو كلا واحدا غير مجتزأ، إذ مرت بمراحل وتغيرات مع تعاقب العقود والحادثات. على أن جوهر «يوليو» بقى واحدا، مع كافة هذه التحولات والتقلبات. فما هو هذا الجوهر العميق؟ إنه يتعلق بشرعية معينة للجيش، شرعية شعبية فى الأساس، يلعب بمقتضاها الدور المحورى فى النظام السياسى. هذه الشرعية وُلدت فى 1952، وخُدشت بشدة فى 1967، ثم تجددت فى 1973، واكتسبت حياة جديدة فى 2011- 2013.
لسنا هنا فى وارد تقييم «يوليو»، بما لها وما عليها، وإنما نحن بصدد محاولة فهمها، وإدراك الفلسفة السياسية التى تحكم عملها وتطورها. ذلك أن تلك الفلسفة تظل الجوهر الذى لا يتغير، وإن تبدلت الوجوه أو تغيرت آليات الحكم وأدواته.
فى القلب من «الفلسفة السياسية ليوليو» نوعٌ من التفويض الضمنى من الشعب للحُكم بممارسة السلطة. ليس خافيا أن يوليو لم تعرف المشاركة الشعبية فى صورتها الديمقراطية المتعلقة بالانتخابات والمنافسة الحزبية إلا على نحو شكلى وغير مؤثر فى جوهر الحكم. على أن «يوليو» عرفت، ربما كبديل عن هذه المشاركة الديمقراطية، صورا مختلفة من الشرعية التى تجعل من الحكم مُعبرا – بصورة أو بأخرى- عن إرادة الكتلة الغالبة من السكان.
أبدعت «يوليو» – فى مراحل العهد الجمهورى المختلفة- من الأدوات والآليات ما يجعل النظام السياسى محتفظا بقدرٍ من الشرعية الشعبية. هى آليات لا تدخل فى صُلب النظام السياسى، ولكنها – مع ذلك- صنعت له شخصيته المميزة، ومنحته الاستمرارية عبر الزمن. من أهم تلك الآليات – فى نظر كاتب السطور- ترك مساحة أو هامش (يضيق ويتسع) للتعبير عن الرأى المعارض. ولو تأملت تجربة يوليو الطويلة لوجدتَ هذه المساحة حاضرة حتى فى قمة ممارسة الشمولية إبان العهد الناصرى. ففى ظل الدولة الناصرية، وفى قلب أجهزتها الإعلامية والثقافية نفسها، ظهرت أصواتٌ توجه النقد وتُعبر عن توجهات مغايرة للحكم. وحدث أن تبنى محمد حسنين هيكل بعضا من هذه الأصوات فى إطار الأهرام، وتحت مظلة مجلة «الطليعة». وظهرت، فى ظل دولة يوليو فى سنىّ شبابها وفتوتها، أعمالٌ فنية ومنتجات أدبية وأفلام سينمائية توجه سهام النقد الشديد للحُكم وللنظام الاجتماعى/ السياسى، بل إن علما من أعلام الحياة الأدبية –هو نجيب محفوظ- كتبَ عددا من الأعمال المعروفة التى تنتقد فلسفة يوليو نفسها، والمجتمع الذى صنعته!.
إن تسامح يوليو، بتفاوتات واضحة بين عهودها، مع بعض التعبير عن الرأى المعارض، يعكس جانبا مهما من شرعيتها. لقد خاصمت يوليو النظام الديمقراطى من البداية، لكنها لم تتصور –فى أى وقت- حُكما مفروضا على الناس من دون أن يكون لهم حقٌ فى التعبير عن رأيهم فيه، أو توجيه النقد للقائمين عليه، أو لبعض ممارساته وخياراته. وها هنا سرٌ مهم من أسرار استمرارية يوليو، فقد خلقت من القنوات البديلة والآليات المختلفة التى تسمح بقدرٍ –ولو محدود- من إمكانية معرفة اتجاه الرأى العام، فلم يحدث الانفصال التام بين الحكم والشارع. كما سمحت، من جانب آخر، لهذا الرأى العام بأن يجد لنفسه السبيل الشرعى الذى يجسد مشاعره، فتجنبت حالات الاحتقان واليأس الشديد لدى الجمهور من أن يبقى صوته مكتوما لا يجد من يعبر عنه، أو حتى عن جانبٍ منه.
وأخيراً، فإن ما يُسمى «الرأى الآخر».. الذى ظهر فى صورة صحف معارضة أيام حكم السادات ومبارك، أو فى أفلام يعرضها التليفزيون الرسمى للدولة، أو حتى فى مظاهرات هنا وهناك.. مثلّ بالتأكيد «صداعاً» للحُكم كان يتمنى غيابه. على أن هذا الهامش، ساعد، فى أحيان كثيرة، فى «تنشيط» جهاز الحُكم – إن جاز التعبير- وشحذ أدواته، ورفع جاهزيته لمواجهة بعض الهجوم هنا وهناك، أو الرد على انتقادات لأداء بعض القيادات. وشتان بين الحكم الذى يُمارس السلطة من موقع الهيمنة المطلقة على المجال العام، وبين ذاك الذى يعمل حسابا- من آن لآخر- لرأى معارض أو فكر مختلف. فذلك الأخير يكون أشد حساسية وحذرا لدى اتخاذ القرار واضعا فى الاعتبار التأثيرات المختلفة من الناحية السياسية. ومن الضرورى هنا أن نستدرك لنشير إلى الجانب السلبى لهذه المعادلة، والذى يتحقق إن ظل الحكم أسيراً لإرضاء أصوات المزايدين أو صارت حركته مشلولة بواقع الخوف على صورته. على أن خير الأمور الوسط، وهناك بالتأكيد «مساحة ما» بين هذا وذاك. وقد نجحت «يوليو»، عبر مسيرتها المديدة، فى أن تشق لنفسها هذه المساحة: لم تفارق الرأى العام كليا، وسمحت له بالتعبير عن نفسه على نحو لم يرقَ إلى تهديد النظام القائم، لكنها أمسكت بزمام القرار السياسى، ووجهت الدفة فى اللحظات الفاصلة، وعلى رأس هذه اللحظات اتخاذ خيار التسوية السياسية لإنهاء الصراع مع إسرائيل فى أواخر السبعينيات.
صفوة القول إن يوليو، التى نحتفل بذكراها الثانية والسبعين خلال أيام، تظل حجر زاوية مهمًا فى بنيان النظام السياسى، ونحتاج جميعًا لفهم أعمق لآليات عمل نظام يوليو وأدواته المختلفة التى مهدت له سبيل الاستمرارية والتكيف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.