يتحرك الطفل في أحشائي ، أو هكذا أظن ، أشعر بنقرات رقيقه علي جدار بطني ، يقول الطبيب أني فقدت طفلي ، يقول أنه فارق الحياة مبتسراً ، يقول زوجي أنه كان مبتسماً، لم تره عيني ذلك اليوم، كان طفلاً جميلاً، شعره شديد السواد أملس، تقول أمي أني لم أفق من عقاقير التخدير الا بعد أن واراه زوجي الثري ، يعود النقر الرقيق هذه المرة علي أحشائي ، يمسي النقر طرقاً ، أشعر بأصابع الصغير تربت بدعة علي كليتي ، ثم علي مثانتي ، يقول زوجي أنه كان يشبهه ، تقول أمي أنه كان يشبهني ، أري عيناه واسعتان تلمعان بالذكاء والنبوغ ، يقول الطبيب أن جسد صغيري لفظ الحياة ، يشتد الطرق وأشعر بركلة قوية لرحمي فأصرخ من الآلم ، وأشعر بزخات من الدم الدافئ تتدفق بين أرجلي ، يقول طبيبي أن صغيري إصطحب رحمي وكليتي معه الي اللحد . أشعر بمن يعبث بثدي ، بصعوبة أفتح عيني فأري صغيري قد لقم ثدي ومضي يرشف منه رشفات رقيقة ، أبتسم له وأعصر ثدي بأصابعي لأزيد من تدفق اللبن ، يلتفت لي الصغير و يرد لي الإبتسامة ، أمرر يدي علي رأسه أتحسس شعره الأملس ، يلتقط صغيري يدي بكفيه الصغيرتين ويقول لي “ربنا يخليكي لي يا أمي” ، أضمه لصدري و أهمس في أذنه ” ربنا يقرب البعيد يا قلبي”. ينهكه التعب من مص ثدي فيخلد للنوم في صدري ، فأرفعه لكتفي وأضمه الي وأربت علي ظهره كي يتجشأ ، يفتح عينيه معترضاً “عايز أنام عندي أمتحان الصبح” ، أتجاهل كلماته وأمضي أربت علي ظهره حتي يتجشأ، يدهشه صوت تجشئه فيضحك، ثم يعود للنوم فأمضي به الي فراشه ، يعاود الأعتراض من جديد ” سريري لأ، ما شبعتش!” تصادف كلماته هوي في نفسي فأعود لضمه الي صدري وألقمه ثدي ، يأخذه بتكاسل ، ومايلبث أن يخلد للنوم من جديد فأضحك من براءة الأطفال. تعود النقرات علي جدار بطني ، تقول أمي أني فقدت صغيري منذ مايربو علي الشهر ، يقول زوجي أن جنازة صغيري كانت حاشدة ، و يقول أبي أن مصر كلها خرجت في وداع صغيري. أسمع صوت أمعاء صغيري ويتبعها صوت تغوطه. أتفحص حفاضته وأطمئن علي جفافها ، يتحرك الصغير ويقفز للوحة الرسم الهندسي القابعة بجوار النافذة المفتوحة ، فأهرع الي النافذة معترضة أغلقها وأنا أصيح ” كده تاخد برد ” ، يجيب صغيري بلا إكتراث ” معلهش لازم أسلم السكتش ده النهارده ، فنجان قهوة وحياتي يا ماما”، أعود للإعتراض ” لأ طبعاً ، قهوة إيه، إنت حتي ما كملتش رضعتك”. يتجاهل الصغير إعتراضي وينهمك في خطوطه وأقلامه وقد تدلت من فمه السيجارة المشتعلة والتي تبوء محاولاتي لنزعها دائماً بالفشل فأمضي الي المطبخ لتحضير القهوة. يقول زوجي أن الأطباء فشلوا في إنقاذ صغيري ، تقول أمي أن صغيري يقتل نفسه بالتدخين والعمل ، ويقول عميد الكلية أن صغيري النابه سيكون له مستقبل باهر، أعود بقدح القهوة فأجد صغيري قد إنتهي من لوحته ودسها في اسطوانة اللوحات وشرع يرتدي ملابسه علي عجل. آضع القهوة علي الطاولة وأسرع الي الحمام فأملأ البانيو الصغير بالماء الدافئ ، ثم أعود حاملة الصغير وسط صرخاته المحتجة ” يا ماما عندي سكشن مش وقت حما دلوقتي، لما أرجع طيب”، أتجاهل صرخاته تماماً ، وأبدأ في صب الماء الدافئ علي جسده الرخو، وسرعان ما يسكن و يخلد للهدوء . أشير له بدميته المفضلة فيسرع لإلتقاطها مني ويبدأ في اللهو بها. يتوقف عن اللهو فجأة وهو يشير الي دميته فأضحك وأبدأ في الغناء ” ماما زمانها جايه ” فيعود للهو حتي إذا أدركت المقطع الذي يقول ” شنطة ، فيها وزة وبطة” إنفجر في الضحك وهو يشير الي دميته فتسلب ضحكاته لبي فأسارع بضمه لصدري غير عابئة بإبتلال ملابسي. ويمضي الوقت في اللهو والضحك حتي يتوقف الصغير فجأة ويقفز من البانيو” السكشن ، ماما لازم أنزل”. أهرع الي خزانة ملابسه فأستخرج حفاضة نظيفة و ملابس زاهية وأسرع أجفف جسده الصغير وأضع عليه ملابسه ، فيقبل وجنتي ويدي و يقول ” إدعيلي” ، ثم يلتقط الإسطوانة التي تضم لوحته ويسرع بها الي كليته. يقول أبي أن صغيري قتل عندما إعترض مركبة شرطة أرادت أن تدهسني مع جمع من الثوار المطالبين بالحرية لمصر ، يقول زوجي أن صغيري مات مبتسراً يوم ميلاد مصر الحرية وهو إبن التاسعة عشر، تقول أمي أني من قتل صغيري بكلامي عن بلادي كما أتمناها، يقول الثوار أنه لولا صغيري لقضوا جميعا تحت عجلات المركبة القاتلة ، ويقول الطبيب أن جسد صغيري فدي جسدي فلم أفقد سوي رحمي وكليتي. اسمع رنين جرس الباب، و ما أن تفتح الخادمة حتي يأتيني صوت صغيري ” ماما ، طلعت الأول يا ماما، أنا الأول يا ماما”، أهرع إليه وأضمه الي صدري فيفتش عن ثدي ويلتقمه من جديد و يقول وهو ممسك به بكفيه الصغيرتين” ربنا يخليكي لي يا أمي”. بقلم خالد ذهني