واصلت مشيخة الأزهر الشريف عقد سلسلة الحوارات المجتمعية بشباب المحافظات على مستوى الجمهورية، حيث عقدت، الخميس، لقاءً حواريًا بمكتبة الإسكندرية، تحت عنوان: «نحو مستقبل أفضل للشباب»، بحضور الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر. وخلال اللقاء دعا المشاركون إلى ضرورة مشاركة الشباب في العمل التطوعي، والابتعاد عن أصحاب المصالح والأهواء، الذين ليس لهم هدف إلا استغلال الشباب، مؤكدين أن الأمن الفكري للمجتمع هو حماية الشباب وتنشئتهم تنشئة فكرية سليمة تحميهم من الوقوع في براثن الفكر المتطرف، مشددين على ضرورة اكتشاف مواهب الشباب والاهتمام بهم، وأن نُشعرهم بأنهم قيد الاهتمام والرعاية من جميع المسؤولين وجميع المؤسسات. وأجاب وكيل الأزهر عن أسئلة الشباب، ومنها سؤال حول التجديد في الفكر الإسلامي، قائلا إن التجديد في الفكر الإسلامي لازمة من لوازم شريعتنا السمحة لا يمكن أن تنفك عنها، ولا يمكن للشريعة أن تساير حاجات الناس وتواكب متطلباتهم من دون التجديد، فالأحكام المحسومة التي لا تقبل التغيير والتبديل في الشريعة الإسلامية قليلة جدا، حيث تكاد تنحصر في أركان الإسلام وبعض المحرمات المحدودة، وفي المقابل نجد أن ما لا يُحصى من فروع الشريعة الإسلامية مرن يقبل التطويع ليناسب زمان الناس وأحوالهم. وقال: «وبنظرة إلى تاريخ التجديد والمجددين في الفكر الإسلامي، يظهر لنا اتفاق العلماء على أن مجدد القرن الأول هو الخليفة عمر بن عبدالعزيز، ويتفقون كذلك علي أنه يأتي على رأس القرن الثاني الإمام الشافعي، ثم يختلفون بعدهما: هل كان على رأس كل قرن مجدد واحد أم أكثر من مجدد، وإن كان ثمة اتفاق على أن التجديد في الفكر الإسلامي لم ينقطع في عصر من عصور الإسلام قديما وحديثا، حتى انتهى إلى الشيوخ (شلتوت)، و(مصطفى الزرقا)، و(علي الطنطاوي)، والدكتور أحمد الشرباصي، مرورًا بالشيخ محمد عبده وغيره من العلماء الأفذاذ». وأضاف: «إن الناظر المدقق في تاريخ الإسلام والمستوعب أحكام شريعته يدرك أن الإسلام دين متجدد، حتى في وصوله للناس، فأركان الإسلام وفرائضه الأساسية لم تنزل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دفعة واحدة، حيث بدأ الإسلام بركن واحد، وهو توحيد الله عز وجل والإيمان برسوله، وقد تمثل ذلك في الشهادتين، ويكاد ينحصر أكثر من نصف مدة الرسالة في إقرار هذا الركن وترسيخه في نفوس المسلمين، ثم يُفرض الركن بعد الركن، ويتخلل ذلك بيان المحرمات والسلوكيات والأخلاقيات، حتى اكتمل الدين قبيل وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم- وبناء الإسلام ركنا بعد ركن وفرض أحكامه حكما بعد حكم هو نوع من التجديد، حيث ينحصر الإسلام في فترة ما في ركن معين، ثم يُضاف ركن ثان، فثالث، حتى اكتمل الدين بفرائضه وسننه، وهكذا تُعد كل مرحلة من المراحل صورة جديدة للإسلام لا تُغني عنها سابقتها». وأكد أن الأزهر الشريف أعد مقررًا دراسيًا نسعى لتعميمه على الجامعات المصرية حول الثقافة الإسلامية، وهو يعالج القضايا الملحة، وتم الاتفاق مع المجلس الأعلى للجامعات على إقراره. وأوضح وكيل الأزهر أن مصر، اليوم، تحتاج حراكا إعلاميا إيجابيا يدفع ويساند التنمية التي تتم على أرض الواقع، بدلا من توجيه سهام النقد إلى المؤسسات، فمصر تحتاج من الجميع التكاتف، والإعلام عليه دور كبير في توجيه سلوكيات الأفراد نحو العمل والإنتاج، مشيرًا إلى أن قناة الأزهر تأخرت كثيرا، وهناك كثير من الأطروحات، لكننا اتفقنا على عدم ظهورها إلا إذا كانت قادرة على الصمود محققة لأهدافها، فالناس في العالم كله وليس المصريين فقط ينتظرونها، لأنها ستكون قناة عامة بعدة لغات، وستكون نقلة نوعية لإعلام صادق هادف. وحول دور المرأة، قال وكيل الأزهر إن الله أثبت للمرأة كل الحقوق، وأوجب لها الرعاية الكاملة، وأكد أن لها دورا أساسيا في المجتمع المسلم المتحضر، والرسول- صلي الله عليه وسلم- أكد أن النساء شقائق الرجال، كما ألزم الرجل ببرها والعطف عليها، مؤكدا اهتمام مؤسسة الأزهر بالمرأة واختيارها في أماكن مميزة تليق بفكرها وتدفع بها نحو المناصب القيادية بقوة. وعن انتقاد مناهج الأزهر في الفترة الأخيرة، قال شومان إن الأزهر يدرس جميع المذاهب والأفكار والحقيقة وغيرها، لنبين بطلان كل ما يخالف الحقيقة، لنحذر الناس منه، وليس معني تدريسه أننا نقره، ولكننا ندرسه لنحمي الناس ونبين لهم الحق من الباطل بالنصوص الصحيحة، وللأسف الشديد، جل مَن يتصدي بالنقد للمناهج الأزهرية من غير المتخصصين ضررهم أكبر من نفعهم، وهذا ما نواجهه من نقد غير بناء، لكن سيظل الأزهر أبد الدهر أكبر مؤسسة تحتوي التعددية، ولن يكون لدينا منهج واحد يقوم على رأي واحد، فمذاهب الرأي الواحد صنعت لنا التطرف، أما التعدد فهو حماية فكرية للمجتمع، مشددًا على أن استهداف الأزهر له أهداف كثيرة، ويكفينا أن العالم يقدر الأزهر، وواهم مَن يظن نفسه قادرا على عرقلة مسيرة الأزهر أو إضعاف جهوده. من جانبه، قال الدكتور ممدوح تهامي، نائب رئيس جامعة الإسكندرية، إن مؤسسة الأزهر لديها قوة كبيرة لقيادة الحوار المجتمعي مع الشباب، فهو صخرة صلبة منيعة قائمة على فكر ومنهجية ثابتة، ولها قدرة على مواجهة الأمواج العاتية، خاصة في السنوات الأخيرة التي قاد فيها الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، السفينة بحكمة كبيرة ساهمت في حماية الشباب والوطن من فتن كبيرة كادت تعصف بالوطن. وأضاف أن مفهوم العولمة طرحه الغرب لطبع العالم وفقًا لأهوائه، متناسيا أن العالم به ثقافات وأفكار متعددة تخالف فكر وهدف العولمة التي طرحها، وهو ما أسهم بشكل كبير في ظهور التطرف. وأشار إلى أن مصر كان المجتمع بها في شبه عزلة حتى بداية السبعينيات، وبدأت بعدها مرحلة الانفتاح على العالم، ولكن كان ذلك بطريقة عشوائية، وبدأت معها تتداخل مفاهيم فكرية جديدة غير سوية على الساحة، تتخلي عن الأسس التي تبني الأمة بقوة، مثل الدراسة والعلم والعمل، وكانت كل الاتجاهات والمخرجات تهدف إلى الترفيه، الذي قابله فكر عنيف من جانب آخر، فتسرب فقدان الأمل، حتى جاءت ثورة يناير، التي للأسف استغلتها بعض الجماعات لإشاعة الفرقة بين أبناء الشعب المصري، لافتا إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي فرضت نفسها على المجتمع المصري بقوة، وقد استغلها البعض لنشر الشائعات والأفكار الهدامة، وتدنت لغة الحوار بين الجميع. وقال القس بولس عوض، ممثل الكنيسة المصرية: «نحتاج حوارا بناء بين مؤسسات الدولة والشباب للاستفادة من قدراتهم ومؤهلاتهم لصالح مستقبل مصرنا الحبيبة، نحتاج عملا وفكرا إيجابيا مشتركا يعزز قيم المواطنة ويرسخها في العقول، ويكون له إسهام كبير في الإصلاح والقضاء على الفساد». مؤتمر الأزهر والحوار الوطنى المجتمعى، بالإسكندرية، 23 فبراير 2017. مؤتمر الأزهر والحوار الوطنى المجتمعى، بالإسكندرية، 23 فبراير 2017. مؤتمر الأزهر والحوار الوطنى المجتمعى، بالإسكندرية، 23 فبراير 2017. مؤتمر الأزهر والحوار الوطنى المجتمعى، بالإسكندرية، 23 فبراير 2017.