لم يصعد منتج من حديد مخترقاً حدود الكرة الأرضية إلى السماء، مستفيداً بالبحث العلمى الذى فكَّر فيه «نيوتن» عند سقوط التفاحة، ليكتشف به أن هناك جاذبية أرضية، إلا عندما التقى برأس المال وتحول إلى «صاروخ» ينطلق إلى الأعلى، ليرينا عالماً جديداً لم تلمسه الأحلام من قبل. البحث العلمى ورأس المال طرفان، إذا التقيا صار كل من حولهما مستفيداً، وهذا ما نحاول أن نظهره فى إحدى التجارب التى مر بها أحد رواد تحويل الابتكار إلى «بيزنس رابح»، وهو رجل الأعمال الراحل، نبيل فريد حسانين، الذى يحكى عنه ابنه «حسام»، رئيس جمعية شباب الأعمال، فى حوار أجرته معه «المصرى اليوم».. وإلى نص الحوار: ■ من أين بدأت الفكرة؟ - كانت الورشة فى حى بولاق الشعبى وتعمل لصيانة المعدات الهندسية، وتحديداً محركات الديزل والطلمبات، وبدأ أواخر الستينيات دخول ما يسمى «الهندسة العكسية»، وقبل حرب أكتوبر ب3 سنوات بدأت طلمبات ألمانية متعددة المراحل وتعطى ضغطاً عالياً تدخل البلاد، وكانت هناك مشاكل دولية لاستيراد هذه الطلبمات، وبدأت القوات المسلحة تتحرك على أنها جهاز الحماية المدنية، ويسافر أفرادها بالملابس الملكية على أنهم من الدفاع المدنى للتدريب على هذه الطلمبات، وكان منها نوعان، والمطلوب منا أن نقوم بعمل هندسة عكسية لبعض الأجزاء، أى صناعتها بنفس دقتها، وكان سلاح المياه هو المسؤول عن ذلك، وبالتالى لكى تقوم بهذه المهمة عليك استيراد هذه القطع، ما يستغرق مدة طويلة، وبدأنا العمل مع سلاح المياه على هذه الهندسة العكسية، وصنعناها بدقة ومنها ما هو موجود فى المتحف العسكرى، ثم بدأنا الحديث بعد الحرب على وكالة تجارية تستورد هذه الطلمبات الألمانية، واتفق جدى فريد حسانين على أن يكون وكيلاً لشركة «آل وايلر» التى تعد أكبر شركة ألمانية، وحتى عام 1982 اقترح والدى إقامة مصنع مشترك، وبالفعل أقمنا هذه الشركة وبدأنا أول تصنيع بحجم عمالة 9 عمال، وكان العنبر 3 آلاف متر، ثم أقمنا مسبك حلوان عام 1985 ودرَّبنا العمالة فى ألمانيا، وتم تأسيس مكتب فنى، وفى اتفاقية الشراكة مع الألمان كان لدينا بند معين وهو الاهتمام بالبحث العلمى وتدريب سنوى للعمال فى ألمانيا وحضور خبراء لمصر، ثم حصلنا على توكيل طلمبات الصرف، ومن هنا بدأ الابتكار بأيادٍ مصرية، لأن الريشة فى الطلمبة المستوردة تسمح بمرور مخلفات حجمها 80 ملليمتراً، بينما فى مصر يحتاج الصرف إلى طلمبات ذات ريش تسمح بمرور 110 ملليمترات، فبدأنا بتطوير الفكرة وتم تصنيعها بطريقة بلدى، ثم قمنا بتحويل هذا الفكر إلى سوفت وير، وتم تأسيس مركز للبحث العلمى فى الشركة، وتصنيع ماركة باسم الشركة المصرية. ■ كيف تطور المنتج بشكل علمى وحقق أرباحاً؟ - قمنا بتدريب أحد القائمين على مركز البحث العلمى من خلال إرساله إلى ألمانيا للحصول على الدكتوراه فى السوفت وير، وخلال عامين عاد ليقود الشركة إلى تصنيع جميع أنواع الطلمبات والمضخات التى تخرج كميات كبيرة من المياه، وتم استخدامها مع شركة «المقاولون العرب»، كما أصبح البحث العلمى فى الشركة نقطة انطلاقة لإنتاج 185 نوعاً من الطلمبات والماكينات ليصبح حجم العمال الآن 300 عامل، وبالتالى أسسنا مركز تدريب لاستخدامه فى التدريب سنوياً، ليمر العامل على هذا المركز الذى يديره أقدم العاملين بالمصنع، وهو المشرف عليه، وعملنا دون تأثر وبحثنا عن احتياجات السوق. ■ هل تعاملتم مع الهيئة العربية للتصنيع؟ - نعم.. وهى أفضل منظومة صناعية فى مصر، وتضم كوادر من أفضل ما يكون، ويساعدوننا عند الأعطال التى نعجز عن حلها أو التعامل معها، لأنها تسبق الكثير بسبب كثرة إنفاقها على البحث العلمى، وسفرهم فى جميع المنح وعلى رأسها اليابانية التى يتميز فيها مندوبو الهيئة بالاستجابة للتدريب، وهم وحوش فى التعامل مع البرامج التدريبية بالخارج، ونلجأ للهيئة فى الإصلاح والأعطال. ■ ما أهمية البحث العلمى فى مجال البيزنس؟ - إذا مر عليك كرجل أعمال سنة كاملة دون تطوير المنتج أو الاستعانة بالبحث العلمى تكون قد تأخرت سنة عن السوق واحتياجاتها، ما يساعد فى تدهور صناعتك، والقطاع العام لم يعمل بهذه النظرية، إذ إنه لم يطور من ماكيناته، وهو ما نظر إليه أبى نبيل فريد حسانين رحمه الله، وبدأ فى إقامة مسبك يخرج إنتاجه وسط رعب الجميع ومعارضته، لأن هذه الصناعة مجهدة للغاية، لكن كانت نظرته صائبة، لأن المسبك يدخل فى 80% من عدد من الصناعات، منها القطارات وأغطية البالوعات والطلمبات جميعها تحتاج إلى المسبوكة، وبالتالى أصبح بالبحث العلمى هناك تكامل داخلى فى الصناعة، وأقوم حالياً بالتصدير ل 40 دولة منها 5 دول فى الاتحاد الأوروبى، ومنها ألمانيا، التى كانت الدولة المصدرة لهذه الطلمبات للسوق المصرية، وهو ما يعد إنجازاً فى الجودة المحلية. ■ ما السوق التى استقبلت هذه التكنولوجيا بشكل واسع؟ - أعلى رقم مبيعات حققناه بسبب البحث العلمى فى سوق العراق قبل الحرب عليها عام 2002، فهى تعد كبرى دول المنطقة فى مجال الزراعة، وبالتالى كانت سوقاً رائعة للطلمبات، ما دفعنا إلى فتح فرع هناك، حتى حققنا مبيعات لم نكررها حتى 2014، وتعد أعوام العمل فى العراق أعواماً ذهبية، خاصة أن الوالد شكَّل تحالفاً من مجموعة رجال أعمال مصريين والإنتاج الحربى وقام بعمل مصنع فى العراق لتصنيع الطلبمات لغزو السوق العراقية، وورَّدنا للعراق 25 ألف منظومة رى كل منظومة بها 4 طلمبات، أى 100 ألف طلمبة، رغم مخاوف العديد من أعضاء التحالف لأنهم منافسون، لكن تم الاتفاق على هامش ربح، ولم يستطع أى مصنع أجنبى دخول السوق العراقية بسبب نجاح هذا التحالف الذى اعتمد أيضاً على البحث العلمى والتطوير، وأقمنا مصنعاً فى أبوظبى ومكتبين فى دبى والسعودية. ■ فى رأيك ما موقف رأس المال من الابتكارات الآن؟ - رأس المال جبان، وأى مستثمر كان يجرى توسعات قائمة على الأبحاث والابتكارات توقف خلال السنوات الثلاث الماضية، ولكنها بدأت فى العودة، خاصة أن الصناعات الهندسية فى مصر وقعت خلال هذه الفترة بسبب عدم التطوير والبحث، رغم أنها كانت تعمل بنجاح، لأن بها مدخلات ومخرجات، وتشارك فى المعارض بجوار المنتجات الألمانية والإيطالية والفرنسية الند بالند، وتختار عوامل مساعدة فى مركز تحديث الصناعة، وتم تطويرها، وهناك معارض وسفر واستدعاء سنوى للخبراء الأجانب. ■ ما رأيك فى دور مركز تحديث الصناعة؟ - من لم يستفد من مركز تحديث الصناعة فهو لا يعرف كيف يعمل فى قطاع الصناعات، لأن المركز يرغب فى البيع بالفعل، لأنه يحصل على مكسب عند نجاحك، ولكن من لم يتعامل مع المركز كان لأسباب غير مقنعة وتتعلق بملء استمارات وهى أسباب هيّنة، لكن المركز الآن سقط، كما هو الحال فى دعم الصادرات، خاصة أن دولة مثل الصين تغزو العالم بسبب دعم المصدرين ومنتجاتها، ففى عام 2008 كانت الطلمبات الصينى بدأت تظهر فى الأسواق.. فاضطر والدى إلى إرسالى والمكتب الفنى للشركة إلى الصين ومشاهدة كيفية صناعة الطلمبات هناك، والتى نزلت بسعر أرخص من المحلى، وأجرينا زيارات لنحو 6 مصانع، ووجدنا أنهم يستخدمون ماكينات «بلدى» بالورش الصغيرة، واشترينا 6 طلمبات وقطعنا هذه القطع لنرى كيفية تصنيع الأجزاء ودقتها وجودتها وأرسلنا قطعة منها إلى معامل التحليل للوقوف على سبب رخص المنتج.. فاكتشفنا أنهم يوفرون فى الخامة ويغشونها، ولكن حالهم الآن اختلف، فهم الآن يأكلون 3 وجبات بدلاً من وجبتين، والحكومة تساعدهم حالياً، وبالتالى الصناعة بشكل عام تمثل 30% من الناتج المحلى الإجمالى، وهى أكثر القطاعات التى يمكن أن تستقبل عمالة، وهى الحل الوحيد لإصلاح الصادرات والميزان التجارى، لكن دعم الصادرات أصبح غير موجود، وجهات مساعدة أخرى أصبحت غير موجودة، كما أن الصناعات الهندسية غنية بشركاتها ببحثها العلمى، وهناك مصانع تهتم بالبحث العلمى، والتطهير والنظافة، كما أن هناك أكثر من 60 ألف شركة مصنعة موزعة على 16 غرفة فى اتحاد الصناعات. اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة