عندما يتم تزييف التاريخ وتستبدل الأحداث بوقائع خيالية ونبرر بأن المسلسل مستوحى من التاريخ حتى يكون به قدر من الخيال والتحرر، فلا يمكن القول إلا إنه خيبة أمل. خيبة أمل عندما يغفل القائمون على العمل عن أن العمل التاريخى لابد أن يستند للتاريخ المدون لتحويله إلى تاريخ مرئى يسرد الأحداث بشكل جذاب وممتع. فتلك الأعمال تعتبر من أهم الوسائل في تقليل نسبة الجهل بتاريخ الأمة ووصل ماضىيها بحاضرها، خاصة أنه شعب يعتمد على الوسائل المسموعة والمرئية أكثر من قراءة الكتب التاريخية. خيبة أمل عندما نتغاضى عن محتوى العمل طالما سيأتى بكثير من الإعلانات التى تترجم لملايين من الجنيهات متجاهلين ما يسببه من تشويه لشخصيات وأحداث تاريخية. للأسف جاء مسلسل «سرايا عابدين» محبطاً وصادماً حاملاً الكثير من الأخطاء والقليل من الإبداع والتشويق. لم يحاول أن يرسم بدقة أهم معالم عصر الخديو إسماعيل، مؤسس الدولة المصرية الحديثة، والذى أدخل كثيراً من الإصلاحات السياسية، مثل إنشاء مجلس النواب وإعطاء الشعب حق اختيار ممثليه، والإصلاحات الإدارية كإنشاء المجالس المحلية المنتخبة، والإصلاحات الاقتصادية كالتوسع في مساحات الأراضي الزراعية، خاصة المنزرعة قطناً، وانتعاش التجارة الخارجية لكثرة إنشاء المواني والمنارات في عهده، والإصلاحات التعليمية حيث انتشر التعليم فى عصره وأنشئت أول مدرسة لتعليم الفتيات والمدارس الفنية المختلفة الأخرى. وفي عهده ظهرت الصحف لأول مرة مثل جريدة «الأهرام». ومع كل هذا قام المسلسل للأسف بمحاولة تشويه صورته واتهامه بقتل أخيه وهو أمر لا بينة له، ومع أنه كان ضد فكرة تعدد الجواري، قدم المسلسل عكس ذلك. فتجاهل الكاتبة لتوثيق إنجازات تلك الحقبة وتصريحاتها بأنها تعمدت وجود أخطاء بينة حتى لا يكون العمل مملاً ما هو إلا عذر أقبح من ذنب. إن انتشار المسلسلات التاريخية فى الأعوام الماضية خير دليل على نجاحها في العالم العربي وارتفاع نسبة مشاهدتها ورغبة الجمهور فى التعرف على التاريخ من خلال عمل درامى يوثق حقبا تاريخية لكى تترسخ في أذهاننا ومخيلتنا، وتنقل وتحافظ على المخزون التراثي والتاريخي للأجيال الحالية. فإعطاء أي عذر فى تزييف التاريخ أو تشويهه لن يأتى إلا بمزيد من التخبط والتضارب في ثوابت الأمة. فإن كان المسلسل لم يهتم بالتأريخ وقام بخلق أحداث من واقع الخيال فقد تأتى مستقبلاً أعمال درامية تقلب التاريخ رأساً على عقب، تُصور الأعداء على أنهم أصدقاء، والإرهابيين ملائكة، والانتماء للوطن ليس ضرورة. فمراجعة المسلسلات التاريخية طبقاً للمسارات المعروفة في أدبيات التاريخ أمر لا غنى عنه.