تعودنا منذ عشرات السنين ان تكون الأفلام أو المسلسلات التاريخية ترصد للحقب الزمنية التي مرت بها مصر، دون ان يتدخل المؤلف بالإضافة أو الحذف لانه لو تدخل فهذا يعني تشويها للتاريخ، وهو أمر غير مقبول لان التاريخ قائم علي أحداث واشخاص، وبالتالي ففي حالة التدخل بالسلب أو الإيجاب فإننا قطعاً سوف نظلم أشخاصا ونعلي من قدر آخرين. لذلك فالمؤلف أو الكاتب لكي يخرج من هذه الأزمة عليه أن يقدم الحقيقة كما هي. مع بداية شهر رمضان الكريم بدأ عرض المسلسل التاريخي «سراي عابدين». ومع توالي الحلقات بدأت تظهر بعض الأخطاء التاريخية في العمل مما أدي إلي تشويه تاريخ مصر. والغريب ان يحدث هذا ونحن دولة كبيرة لها تواجدها علي الساحة العالمية والإقليمية، فالعمل لا يتناول الدول البيزنطية، كما ان العمل يتناول حقبة تاريخية قريبة وليست منذ عصر الفراعنة مثلاً، وحتي لو كانت في عصر الفراعنة فالتاريخ له قدسيته. هذا التشويه المتعمد جعل الملك أحمد فؤاد يصدر بيانا منذ أيام قليلة حول هذا التشويه.. جاء فيه «تابعت بكل الأسف المسلسل المسمي ب «سراي عابدين» ظناً مني انه سيكون منصفاً لتاريخ الخديو إسماعيل باشا الذي يعد واحداً من أهم وأعظم حكام مصر في عصرها الحديث والشريك الأساسي لجده محمد علي باشا في بث نهضة الوطن الغالي وباني مجده ورفعته ومجدد حضارته. وأضاف في البيان، ولكن للأسف بدلاً من إبراز الأعمال والإنجازات اهتم منتجو المسلسل بجانب لا وجود له إلا في خيالهم، ولا يمت للواقع بصلة وأبسط ما يقال عنه انه مهين لذكري هذا الرجل الوطني، الذي أحب بلده، وبذل كل ما في وسعه لرفعة شأنه إلي مصاف الدول المتحضرة. امتلأ المسلسل بالمغالطات التاريخية والجغرافية، وبالخلط في الشخصيات الأمر الذي ينم عن جهل شديد بتاريخ أفراد الأسرة وبتاريخ الوطن في فترة من أزهي فتراته. كما كال الاتهامات للخديو ولبعض زوجاته بالقتل والتآمر والفساد وسوء الخلق ولم يدخر وسعاً في تشويه الجميع. لا لشيء إلا لإنتاج عمل تجاري لا يهدف إلا للربح علي حساب سمعة من رحلوا فلا يستطيعوا الدفاع عن اسمهم وشرفهم وذكراهم. وأضاف البيان ان وضع عبارة «دراما مستوحاة من قصة حقيقية» في مقدمة الحلقات لا يعفي أصحاب المسلسل من المسئولية عن الإهانة المقصودة لأشخاص حقيقيين رحلوا ولكن لهم أحفاد وذرية لن تقبل بهذه الإهانات. وانهي البيان بالمطالبة لمن بيده الأمر ان يوقف هذه المهزلة التي تمس بسمعة مصر. وتخل بصورتها أمام الأجيال القادمة التي سيترسخ في ذهنها ما جاء في هذا المسلسل من أكاذيب علي انها حقائق دامغة وأحداث ثابتة وهي أبعد ما تكون عن الحقيقة. الغريب ان أسرة المسلسل خرجت ممثلة في الفنانة يسرا تدافع عن العمل بقولها ان المسلسل لا يعد توثيقاً للعائلة المالكة أو الخديو إسماعيل، مبررة ذلك بان هناك تدخلا دراميا في الأحداث مرتبطا بخيال المؤلفة وطبيعية الشخصيات الأساسية والمحورية في العمل. وأضافت يسرا: «لقد أكدت المؤلفة في المؤتمر الصحفي انها لا تقدم عملا تاريخيا عن الخديو أو العائلة إنما نحن نستوحي دراما تحتوي علي جزء كبير من الخيال خلال هذه الفترة، ولذلك فالهجوم حول ذلك غير مبرر وغير منطقي بالمرة» وأضافت يسرا ان الأعمال التاريخية في السينما أو التليفزيون دائما ما تحمل وجهات نظر، بالإضافة إلي ان المسلسل لم ينته حتي نحكم عليه بهذا الشكل. ولاتزال هناك مفاجآت ستحملها الحلقات المقبلة. انتهي كلام يسرا الذي نشرته بعض الصحف والمواقع. ويبقي شيء مهم لابد من الرد عليه، هي تتحدث عن ان العمل ليس توثيقا للعائلة المالكة أو الخديو إسماعيل، وهذا تهرج لان العمل في الأساس قائم علي حياة هذا الرجل. وطالما ذكر اسمه أو اسم العائلة فعلي المؤلف ان يلتزم بما جاء في التاريخ. والكلام علي ان المؤلفة أكدت علي ان العمل ليس تاريخيا عن عائلة الخديو إنما هو عمل مستوحي وبه جزء كبير من الخيال فهذا أمر مضحك للغاية. فمنذ متي؟ والتاريخ يخلط بخيال المؤلف أو قناعاته الشخصية. التاريخ تاريخ، وكما جاء في بيان أحمد فؤاد بان هناك أجيالا لم تعش هذه الفترة، ولذلك لا يجب ان نصدر لها تاريخا مشوهاً علي انه حقيقة ثم نقول اننا نستوحي دراما تحتوي علي جزء من الخيال. طالما ان هناك أسماء حقيقية ذكرت فعلي الجميع احترام التاريخ. خاصة إذا كان الأمر متعلقا بشخصية الخديو إسماعيل الذي بني الإسماعيلية، ومد لها ترعتها، وأقام أول برلمان وقام ببناء أول دار أوبرا في الوطن العربي وأفريقيا، وبني القاهرة الخديوية نسخة من باريس» وبالتالي لا يجوز ان نختذل تاريخ الرجل في علاقات نسائية وأحداث مختلفة. ما صنعته هذه المؤلفة أمر يدعو للبكاء علي الدراما التاريخية. والشيء الغريب هو دفاع يسرا التي شاهدناها كثيرا في مواقف تدافع عن هذا الوطن باستماتة، والوطن لا ينفصل عن تاريخه. لذلك كان عليها من البداية ان ترفض العمل في مسلسل يعتمد علي تشويه التاريخ. والحمد لله ان للخديو إسماعيل حفيد مازال علي قيد الحياة قام بمحاولة لتصحيح الخطأ، ولكن مازال المسلسل يعرض. مؤلفة العمل تناست أنها رصدت كل الأسماء التي عاشت في سرايا عابدين في تلك الفترة، وبالتالي فهذا يلزمها بالدقة. أما الخيال ومهنة التأليف فكان من الممكن ان تزاولها في عمل آخر. بعيداً عن التاريخ. وهناك أعمال كثيرة تنتمي للتاريخ قام مؤلفوها بذكر الوقائع علي لسان شخصيات من نسج خيالهم ليس لشيء سوي أنهم أرادوا ان يمنحوا خيالهم فرصة للتواجد. ولم يطالب أحد بمنع العمل لان الشخصيات من وحي الخيال. أما ان نذكر شخصيات لها تأثيرها في الحياة وفي التاريخ ونحاول ان نضع من عندنا مواقف ووقائع ليست حقيقية فهذا يعني تشويها. ونحن في مصر الآن في أمس الحاجة لكي نستعرض تاريخنا بشكل حقيقي دون تزييف خاصة ان هناك شخصيات تم تشويهها بسبب الدراما أو السينما فأصبحت هذه الشخصيات في نظر الناس فاسدة وتعشق النساء، وخانت الوطن. رغم ان أغلبهم له تاريخ مشرف. كتابة التاريخ علي هوي وأمزجة الناس لابد ان تتوقف، وان يحاسب كل من يفعل ذلك، لانه بهذه الطريقة يساعد علي تدمير عائلات، وتلويث وطن بما ليس فيه. معني ان هناك عملا ذكر فيه اسم الخديو إسماعيل أو أنور السادات أو جمال عبدالناصر أو الملك فاروق ان يكون العمل موثقا بشكل حيادي، وان يقرأ من قبل أساتذة التاريخ. حتي نحافظ علي تاريخ الوطن من الإهمال وحتي لا يأتي يوم تكون هذه الأعمال المشوهة هي المرجع للأبناء والأحفاد في المستقبل. يسرا لم تكن منصفة عندما انحازت للعمل علي حساب التاريخ. والدولة مستقبلا عليها الحفاظ علي تاريخها بشتي الوسائل. فهي المسئولة أمامنا لحمايته بما تملكه من أجهزة كل وظيفتها الحفاظ علي هويتنا وثقافتنا وتاريخنا. ومنها المجلس الأعلي للثقافة الذي اكتفي ببيان بعض عرض نصف المسلسل. وبعد تحرك أحمد فؤاد حفيد الخديو إسماعيل.