ظهر واضحاً أن الاقتصاد يشكل أحد أهم أسباب الأزمة الأوكرانية الحالية، بل ويشكل أحد أسباب تصاعدها أو وسائل تراجعها فى المستقبل القريب. واتهم مسؤولون غربيون الرئيس الأوكرانى المعزول، فيكتور يانوكوفيتش، بقصر النظر عندما رفض إقرار خططاً للإصلاح المالى والاقتصاى فى كييف مع قبول مساعدات محدودة ومتدرجة، وانحاز إلى روسيا التى عرضت 15 مليار دولار كحزمة مساعدات فورية، وهى الخطوات التى فجرت الاحتجاجات فى أوكرانيا. واعتبر كارل بيكت، المحلل بمجموعة «بروكيكت سينديكت» للدراسات، أن أوكرانيا كانت لتصل لنتيجة إيجابية من حزم الإصلاح مثلما وصلت دول أوروبا الشرقية الأخرى ولكن يانوكوفيتش اختار الحفاظ على حكمه فى مقابل العمل لمصلحة دولته ومستقبلها. ويلاحظ هنا أن أوكرانيا اضطرت لاتخاذ مجموعة من الإجراءات التى تؤكد مدى تردى حالة الاقتصاد الأوكرانى منها عدم السماح بالتحويلات المالية خارج البلاد. وبدا واضحاً أن روسيا ترسل رسالة لكييف مقتضاها «إن لم تواصلوا التحالف معنا فإنكم ستعانون اقتصادياً»، وذلك من خلال سلسلة من التهديدات الروسية التى بدأت بالتهديد بإنهاء التحالف الاقتصادى والمنطقة الحرة المشتركة بين البلدين، ورفع أسعار الجمارك على السلع المستوردة من كييف، وأغلبها من المنطقة الشرقية التى يسكنها أغلبية موالية لموسكو، فضلاً عن التلويح برفع أسعار الغاز وإزالة الخصم الذى تمتعت به كييف طوال الفترة الماضية. وتجعل موسكو من الدعم المنتظر من الاتحاد الأوروبى خطوة أصعب كثيراً، فكييف طلبت بالفعل من الاتحاد الأوروبى دعماً ب35 مليار دولار، ومن شأن الإجراءات الروسية أن تجعل الدعم المطلوب أكبر، كما أن التهديد باستهداف السلع الأوكرانية المصنعة فى شرق أوكرانيا، والتى يُصدر غالبيتها لموسكو، من شأنه أن يزيد الدعم لروسيا فى شرق البلاد الذى يخشى التقارب مع الاتحاد الأوروبى. وتأتى مسألة تفاوت المستوى الاقتصادى داخلياً لتشكل أحد أهم مصادر الأزمة الأوكرانية، حيث تشير التقارير الصحفية إلى أن سكان الشرق يؤكدون باستمرار أنهم القوة الصناعية المنتجة للبلاد ولا يحصلون إلا على الفتات مقارنة بسكان الغرب والشمال والذين يقوم اقتصادهم على الخدمات ويحصلون على مبالغ أكبر كثيراً من سكان الشرق وهو ما يزيد من النزعة الانفصالية لسكان الشرق سعياً للاستحواذ على جميع مقدراتهم بعيداً عن سيطرة الغرب. واللافت هنا أن الاتحاد الأوروبى لم يستطع أن يقدم الدعم الاقتصادى المطلوب من أوكرانيا، وإن أبدى مع الولاياتالمتحدة استعداداً لدعمها، إلا أنها دعت أوكرانيا للانخراط فى مفاوضات مع صندوق النقد الدولى بهدف التوصل لاتفاق لدعم الاقتصاد خلال الفترة المقبلة، مما يؤكد أن أوكرانيا ستشهد أياماً صعبة فى المستقبل القريب، وقد يصل الحال بها إلى حد إعلان الإفلاس كما حذر بعض مسؤولوها.
