هل يعقل أن يكون نفس الشخص «أصوليا إسلاميا»، يكره الأقباط ويحرض على قتلهم، و«أصوليا قبطيا» فى الوقت نفسه، ينطق باسم الكنيسة المرقصية ويسعى لطرد الغزاة المسلمين من مصر بالتعاون مع أسياده الأمريكان والإسرائيليين؟. يبدو ذلك. وهذا الشخص، صدق أو لا تصدق، هو كاتب هذه السطور بشحمه ولحمه، فهو تارة «أصولى إسلامى»، فى عرف متعصبين يدعون أنهم يدافعون عن المسيحية والمسيحيين، وتارة أخرى «أصولى مسيحى»، فى عرف متعصبين يدعون أنهم يدافعون عن الإسلام والمسلمين. لا أحتاج للتوقف هنا عند الوجه الأول للصورة، الذى أبدو فيه «أصوليا مسلما»، إذ يمكن للقارئ أن يتعرف على ملامحه بسهولة، وذلك بمراجعة بعض ردود الأفعال المختلفة على مقال «التطرف القبطى» (المصرى اليوم: 6/1)، والتى ما تزال تتوالى عبر وسائل الإعلام المختلفة وتتناقلها عشرات المواقع على الإنترنت، أما وجهها الآخر، والذى أبدو فيه «أصوليا قبطيا»، فيحتاج إلى وقفة. كان ناشطون «إسلاميون» على موقع «فيس بوك» قد دعوا منذ عدة شهور إلى تنظيم مظاهرة تبدأ من «مسجد النور» بالعباسية، عقب صلاة جمعة، وتتجه نحو الكاتدرائية فى العباسية للمطالبة بعزل البابا شنودة، احتجاجا، حسب زعمهم، على «خروج الكنيسة على القانون والدستور، وخطف المسلمات الجدد وحبسهن بالأديرة والكنائس، والاستيلاء على أراضى الدولة، وذبح من يشهر إسلامه على يد ميليشيات مسيحية مدعومة كنسيا». وفى تعليقى على الموضوع تحت عنوان «الصيد فى مياه عكر» (المصرى اليوم: 9/9/2010) قلت بالنص: «لا دراية لى بمدى ما تنطوى عليه هذه الأخبار المرعبة من مصداقية، لكنى على يقين من أن تحت رماد هذا الوطن نيران كثيرة، أخطرها نار الفتنة الطائفية، وأن النظام الحاكم يلهو بمصير الوطن لكسب معارك سياسية رخيصة. لذا على المخلصين من أبنائه أن يهبوا لحمايته. وفيما يتعلق بى شخصيا لا أملك إلا أن أتوجه لكل من فكر فى تنظيم مثل هذه المظاهرة لأعبر له عن قناعتى التامة بأن هذا النوع من التفكير الشيطانى لا يمكن أن يصدر لا عن مصرى ولا عن مسلم بحق، وإنما هو رجس من عمل الشيطان لا يقدم عليه إلا خائن لوطنه أو كافر بدينه. كما أقول لمن يردون على التعصب عند فئة بتعصب أكبر منه، وهم للأسف موجودون ومغرر بهم هنا وهناك، أنهم ينتمون إلى جنس الشياطين لا المواطنين ويسعون إلى تحويل هذا الوطن إلى خرابة ينعق فيها البوم. فمتى يستيقظ النائمون من سباتهم؟. لا حل لما تواجهه مصر من مشاكل إلا بقيام دولة مدنية تقوم على مبدأ المواطنة، ولا مواطنة بلا ديمقراطية، ولا ديمقراطية فى ظل حزب الحاكم!». ولأن هذا الكلام لم يعجب عددا من المتعصبيين «الإسلاميين»، فقد قرر بعضهم أن يشن على هجوما صاعقا. فجاء فى تعليق أحدهم، هو الأستاذ محمود القاعود، ما نصه: «وصف نافعة من يدعو للانتصار لله ورسوله ولحرمات القبطيات اللاتى يسلمن ويخطفهن شنودة بأنه خائن لوطنه أو كافر بدينه. وما قاله نافعة لا تفسير له إلا أنه «مفتى الديار الأرثوذكسية» أو الناطق الرسمى باسم الكنيسة المرقصية. لا أسعى، باستحضار هذه الصورة وعرضها، إلى استعطاف القارئ ولدفع تهمة أو إنكار جريمة لم أرتكبها، وإنما توضيح حقيقة أعتقد أنها على جانب كبير من الأهمية وهى أن للاستقلال الفكرى والسياسى ضريبة يتعين أن نكون على استعداد لدفعها فى أى وقت، فمن السهل جدا على أى كاتب أن ينخرط فى أى قطيع سياسى أو أيديولوجى يردد معه نفس الأغنية التى يراد له أن يصدح بها. أما الصعب حقا فهو أن يقرر الإنسان ألا ينحاز فى مواقفه إلا لعقله وضميره، دونما سعى للحصول على مغنم أو خشية من مغرم. وهذا هو الموقف الذى اخترته لنفسى ولا أستريح إلا به. ولأنه لا سبيل إلى حوار حقيقى فى زمن الاستقطاب والطائفية الفكرية، أشعر أننا مقدمون على كارثة سنشارك جميعا فى صنعها ثم سيلقى كل منا باللوم على الآخر. لذا أدرك أن العواصف قد تهب فى أى وقت ومن كل الاتجاهات.