أرجوكم اربطوا الماضى بالحاضر واقرأوا ما بين السطور. حلّت أمس الأول ذكرى استشهاد الحسين، النكبة التى ذُرفت من أجلها دموع أكثر مما ذُرف فى التاريخ الإنسانى كله، واللحظة الفارقة فى التاريخ الإسلامى، التى ندفع ثمنها حتى الآن. اللحظة التى تم فيها التحول من الخلافة الراشدة إلى الملك العضوض. وتحول الحكم بالتبعية من لؤلؤة تتعاقبها الأيدى الطاهرة إلى كرة تركلها الأقدام. لاحظ أن «معاوية» لم تخطر بباله فكرة التوريث أصلاً. الحكاية كلها أنه كان ينوى أن يعزل والياً، فتفتق ذهنه عن حيلة نادرة، وهى أن يطرح فكرة التوريث ويتعهد بالبيعة له هناك! وما لبث أن تلقف الفكرة أصحاب المصالح حتى تحولت إلى واقع مشؤوم. لاحظوا أن الغطاء الأخلاقى للصفقة كان (الحفاظ على الاستقرار)!! لابد أن صراعاً عنيفاً دار فى نفس «معاوية» بين عقله وقلبه. عقله يقول إن هذا الأمر العظيم لا سابقة له فى الإسلام. عقله يقول أيضاً إن «يزيد» السكّير لا يصلح لهذا العبء الجسيم. عقله يقول إن الحسين لن يقبل بهذا العبث فى دين جده، وثمن تمرير المشروع سيكون رأس الحسين، وهو كصحابى يعرف جيداً محبة الرسول الخارقة لريحانته الحسين. حينما كان يسمع بكاءه - وهو طفل رضيع - كان يلوم فاطمة: «ألم تعلمى أن بكاءه يؤذينى؟!». بكاؤه وليس دمه المسفوح على ثرى كربلاء! «معاوية» مسلم لاشك فى إسلامه، لكن المشكلة كانت فى حبه الخارق ل«يزيد»، والمواريث العصبية التى كانت تزيّن له أن يخلد اسمه فى الدهر، ويرث ملكه الأبناء والأحفاد. تغلب جانب العاطفة على جانب العقل، وتم توريث السلطة بالسيف والدينار. لاشك أنهم اعتبروه أبا مُحبا لابنه، فهل كان كذلك فعلاً، أم أن الحب الحقيقى كان أن يُجنّبه التوريث؟ يقول التاريخ إن فترة مُلك «يزيد» كانت مليئة بالاضطرابات، ولم يسد السلام قط. فى البدء حدثت مذبحة كربلاء. لا أريد أن أدمى قلوبكم بالتفاصيل، ولكن يكفى أن أقول إنه تم قتل آل البيت، بعد أن عذبوهم بالعطش لأيام طوال. وحينما لم يبق حياً إلا الحسين، وسددوا عليه الرماح، قطعوا رأسه، ثم ندبوا عشرة فرسان يطأون جسده ذهاباً وإياباً.. بعدها حملوا رأسه فى فخر وساقوا حفيدات النبى سبايا إلى «يزيد»! وحين انتفضت المدينةالمنورة أرسل جيشه لمحاصرتها وكانت واقعة (الحرة)، استباحوها ثلاثة أيام يسفكون الدماء أمام القبر الشريف، يأخذون الأموال، يفسقون بالنساء (فى العام التالى وضعت آلاف من بنات الأنصار أطفالاً غير شرعيين)، ثم بايعهم على أنهم عبيد ل«يزيد»!!. بعدها اتجه الجيش إِلى مكة لقتل عبدالله بن الزبير المعتصم بها، وضرب الكعبة بالمنجنيق. والآن تأتى المفاجأة المُرعبة: تخيلوا.. بعد كل هذه المذابح، لم تدم حياة «يزيد» وخلافته إلا ثلاث سنوات! فاعتبروا يا أولى الألباب. [email protected]