من يعرف إجابة هذا السؤال فلا حاجة به لقراءة هذا المقال. عليه فقط أن يحسب الوقت المتبقى ويحدد أهدافه فى الدنيا (والآخرة لمن يؤمن بها) ويضع خطة تتوافق مع إمكانياته وموارده ويبدأ فى التنفيذ. أما هؤلاء الذين يشاركوننى الجهل بموعد أَجَلِهِم - شبابًا كانوا أم مسنين– فعليهم أن يحددوا أولوياتهم وفقًا لمنهجهم الفكرى وعقيدتهم ومبادئهم وقيمهم ومهاراتهم وقدراتهم. عليهم أن يفعلوا ذلك مدركين الفارق بين الرؤية الشخصية الفردية ورؤية كيان أو مجتمع صَغُرَ أم كَبُرَ. عندما أخطط لحياتى يصبح علىَّ أن أُؤَمِّنَ عشائى وعشاء من أَعُول، وإن أمكن إفطار وغداء اليوم التالى، ويصبح تأمين احتياجات أيام أطول نوعًا من الترف والنعيم الذى أحمد الله عليه، أما فى حالة التخطيط لمؤسسة أو شركة أو مجتمع أو أمة، فإن مفهوم التخطيط يختلف، كلما كَبُرَ الكيان وزاد عدد أعضائه، أمكن نقل المسؤولية من واحد لآخر عند رحيل الأول أو تراجع قدراته بسبب مرض أو شيخوخة، ليقوم المسؤول الجديد باستكمال خطوات التنفيذ. أقول للشباب الذى يبحث عن وظيفة العمر وشقة العمر: مهلاً ياشباب.. أطال الله عمركم.. ولتنظروا إلى تجربة المجتمعات التى تَسْعَوْنَ للهجرة إليها بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة. الشاب فى أوروبا والدول المتقدمة يعمل فى بداية حياته أى عمل يجده، لا يعرف فى ذلك عيبًا مادام العمل شريفًا، لا يتعالى على الوظيفة الأولى باسم شهادته العظيمة أو عائلته العريقة. يعمل كعامل بناء أو نظافة أو تنظيم مخازن أو عامل زراعىّ أو مساعد طباخ، يقبل هذه الوظيفة أو تلك مع استمراره فى البحث عن فرصة أفضل حتى نهاية عمره، ويتعامل فى ذلك بمنتهى الشرف والأمانة مع صاحب العمل وفقًا لعقود يحترمها الطرفان. أما شقة العمر فهى كارثة تشير أصابع الاتهام فيها إلى ضعف حكمتنا؛ أسرة العروسة تشترط على عريس ابنتها توفير شقة العمر التى يُفَضَّلُ أن تكون تمليكًا أو إيجارًا قديمًا، وتضاف مواصفات تتصاعد مع ما يُفترض فى أسرة العريس من قدرات مادية. رحم الله حماى الذى أحسبه حالة نادرة، حيث لم يناقشنى أو يسألنى ولو تلميحًا عن مهر أو شبكة أو مواصفات منزل الزوجية. أعود إلى أوروبا والدول المتقدمة: يتزوج الشاب فى شقة من غرفة واحدة.. بداخها حمام صغير وركن لإعداد الطعام لا يرقى لأن يسمى مطبخًا. يُفرش هذا المنزل بأقل التكاليف أو بدون، لو اجتهد العروسان فى البحث فيما يُسْتَغْنَى عنه من أثاث وأشياء يُخْرِجُهَا الناس إلى الرصيف ليأخذ من يشاء حاجته، وتمر سيارة البلدية لتحمل ما تبقى إلى أماكن فرز وتدوير القمامة. عندما تُرزق هذه الأسرة الصغيرة طفلاً تنتقل إلى شقة أكبر قليلاً، وهكذا وفقًا للاحتياجات والمتوفر من إمكانيات. فى نهاية العمر يفضلون العودة للوحدات الصغيرة التى يَسْهُلُ تنظيفها وصيانتها. الشقة المؤجرة تحقق مرونة أكبر فى الانتقال من عمل لعمل، فيكون السكن دائمًا قريبًا من العمل تفاديًا للزحام. والبدء بأعمال بسيطة عملية مهمة وفرصة كبيرة للاستفادة من خبرات رؤساء العمل. أنجح التجارب الإنسانية المعروفة كانت لها بدايات صغيرة، وفى نظر البعض عيب: «فورد» بدأ ميكانيكيًّا للسيارات حتى أصبح صاحب أكبر شركة تُصَنِّعُ السيارات فى العالم. «أدى داسلر» كان صانعًا للأحذية حتى أسس أكبر شركة رياضية فى العالم باسم «أديداس». كذلك كان العديد من كبرى سلاسل المحال المعروفة عالميًّا ومحليًّا مجرد مشروع صغير يطارد صاحبَهُ كابوسُ الفشل، فيستيقظ، ويضاعف جهده، ويبتكر أفكارًا تجتاز الأزمات، وتحقق المعجزات. أيها الشباب.. من الحكمة ألاّ تأخذوا عَنَّا كل الحماقات والموروثات. زِنُوا الأمورَ جيدًا، وتمردوا علينا وعلى وظيفة العمر وشقة العمر. أدعو الله أن يطيل أعماركم كالسلحفاة، ويمنحكم حكمتها البالغة فى سباقها مع الأرنب المغرور. لمن لا يعرف القصة: فى النهاية فازت السلحفاة. [email protected]