رئيس مجلس الشيوخ يرفع الجلسة العامة ل 13 أكتوبر الجاري    عمداء الكليات بجامعة القاهرة يواصلون استقبالهم للطلاب الجدد    منسق حياة كريمة: إقبال كثيف من المواطنين على المبادرة في الإسماعيلية    وزير الخارجية يستقبل رئيس وزراء ولاية بافاريا الألمانية    حزب الله يرد على العمليات البرية الإسرائيلية المحدودة.. فيديو    طائرات مروحية تنقل جنودا قتلى وجرحى بعد حدث أمني صعب في إسرائيل    السيسي يؤكد دعم مصر لرئاسة موريتانيا الحالية للاتحاد الأفريقي    انضمام ثلاثي بيراميدز لمنتخبات بلادهم في تصفيات كأس أفريقيا 2025    وزارة الداخلية تفتتح مقرا جديدا للجوازات بالسادس من أكتوبر بالجيزة    الشباب والرياضة تطلق الموسم ال 13 من مهرجان"إبداع" لطلاب الجامعات    لطفي لبيب يتحدث عن تجربته مع الكتابة في «الوطن»: الصحافة مهنة شاقة    تفاصيل عروض برنامج «فلسطين في القلب» بمهرجان الإسكندرية السينمائي    زغلول صيام يكتب: سوبر إيه بس!.. من ينقذ كرة القدم من هذا العبث؟! وإيه حكاية زيطة الإداريين في الجبلاية    سناء خليل: مايا مرسي تستحق منصب وزيرة التضامن بجداره    الدفاع الروسية: تدمير منشآت الطاقة التي تغذّي المنشآت العسكرية الأوكرانية    الحكومة تدرس نقل تبعية صندوق مصر السيادي من التخطيط إلى مجلس الوزراء    هشام نصر: العقد الجديد ل"زيزو" سيكون الأعلى في الدوري المصري    "الإسكان" يُصدر قراراً بحركة تكليفات وتنقلات بعددٍ من أجهزة المدن الجديدة    وزير الخارجية السعودي: لا علاقات مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة    لحسم الشكاوى.. وزير العدل يشهد مراسم إتفاقية تسوية منازعة استثمار    التموين تكشف حقيقة حذف فئات جديدة من البطاقات    «مش بس أكل وشرب».. جهود مكثفة من التحالف الوطني لتقديم الرعاية الصحية للأكثر احتياجا    جون دوران بعد هدفه أمام بايرن: سجلت في شباك أحد فرق أحلامي    نائب وزير الإسكان يتابع موقف تقديم خدمات المياه والصرف الصحي بدمياط    للخريف سحر لا يقاوم.. 15 صورة من شواطئ عروس البحر المتوسط    إصابة عاطلين في معركة بالأسلحة النارية بالمنيا    ضبط 17 مليون جنيه حصيلة قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    الأمن يكشف لغز العثور على جثة حارس ورشة إصلاح سيارات مكبل في البحيرة    قرار عاجل من مدير تعليم الجيزة بشأن المعلمين    ضبط 367 عبوة دواء بيطري مُنتهية الصلاحية ومجهولة المصدر بالشرقية    حلاوة رئيسًا للجنة الصناعة والتجارة بمجلس الشيوخ    مجلس الشيوخ.. رصيد ضخم من الإنجازات ومستودع حكمة في معالجة القضايا    سر مثير عن القنابل الإسرائيلية في حرب أكتوبر    في أول أيامه.. إقبال كبير على برنامج «مصر جميلة» لرعاية الموهوبين    بسبب عادل إمام.. لطفي لبيب يحكي قصة زيادة اجره "صفر" جنيه    فى احتفالية كبرى، الأوبرا تحتفل بمرور 36 عامًا على افتتاحها بمشاركة 500 فنان    بعد إعلان اعتزالها.. محطات في حياة بطلة «الحفيد» منى جبر    محافظ المنيا يعلن موعد افتتاح مستشفيات حميات وصدر ملوي    الصحة: تطعيم الأطفال إجباريا ضد 10 أمراض وجميع التطعيمات آمنة    «التضامن» تشارك في ملتقى 57357 للسياحة والمسئولية المجتمعية    نائب وزير الصحة يوصي بسرعة تطوير 252 وحدة رعاية أولية قبل نهاية أكتوبر    توقعات برج القوس اليوم الخميس 3 أكتوبر 2024: الحصول على هدية من الحبيب    مركز الأزهر للفتوى يوضح أنواع صدقة التطوع    «القاهرة الإخبارية»: استمرار القصف الإسرائيلي ومحاولات التسلل داخل لبنان    محامي أحمد فتوح يكشف تفاصيل زيارة اللاعب لأسرة ضحيته لتقديم العزاء    صلاح الأسطورة وليلة سوداء على الريال أبرز عناوين الصحف العالمية    بريطانيا تستأجر رحلات جوية لدعم إجلاء مواطنيها من لبنان    4 أزمات تهدد استقرار الإسماعيلي قبل بداية الموسم    الحالة المرورية اليوم الخميس.. سيولة في صلاح سالم    التابعي: الزمالك سيهزم بيراميدز.. ومهمة الأهلي صعبة ضد سيراميكا    نجاح عملية استئصال لوزتين لطفلة تعانى من حالة "قلب مفتوح" وضمور بالمخ بسوهاج    رئيس الوزراء يُهنئ وزير الدفاع بذكرى نصر أكتوبر    حكم الشرع في أخذ مال الزوج دون علمه.. الإفتاء توضح    كيفية إخراج زكاة التجارة.. على المال كله أم الأرباح فقط؟    هانئ مباشر يكتب: غربان الحروب    محافظ الفيوم يُكرّم الحاصلين على كأس العالم لكرة اليد للكراسي المتحركة    تعدد الزوجات حرام.. أزهري يفجر مفاجأة    فوز مثير ل يوفنتوس على لايبزيج في دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى عواصم الفوضى
نشر في المصري اليوم يوم 05 - 03 - 2010

المرور بشوارع بيروت لا يختلف كثيراً عن مرور القاهرة، ليس هناك نظام مرورى محدد يمكن وصفه.
فكل شىء يسير بالبركة.
سيارات متداخلة تكاد تلتصق ببعضها بطريقة عجيبة، إشارات مرور لغرض شكلى فقط، شوارع ضيقة جداً وأعداد مركبات متزايدة يوماً بعد يوم.
شرطى المرور هناك لا يخيف ذبابة بل يشارك بالفوضى، وقد تجده ممسكاً بهاتفه النقال مشغولاً بحل أزمة عائلية.
المشاة يزاحمون السيارات فى الشوارع ليس لأنهم يريدون التضييق بل لأن الأرصفة صغيرة جداً لا تسعهم ولأنها مليئة بالحفر التى حتما قد تكسر كعوب السيدات وقد توقع الصغار.
وربما تجد رصيفاً تحول فجأة لموقف سيارات.
لكن اللافت أنها فوضى منظمة.
فالكل يسير بالشارع فى حالة من انعدام النظام والكل متفهم.
السيارات تكاد تتلاصق لكنها لا تتصادم.
وقد توشك (خناقة) على الاندلاع فجأة لكنها تنتهى قبل أن تبدأ بعبارات لبنانية حميمة:
تكرم عينك.. ما تواخذنا مسيو.
لو أن التعددية السياسية تسير بمثل هذا الود الذى أنتجته الفوضى أو صنعه سائقو السيارات فى بلد سبق أن عاش أوقاتاً طويلة دون حكومة ودون نظام واستمرت به الحياة.
فوضى واختناق بشوارع بيروت والقاهرة، أكثر العواصم العربية زخما فكريا وأشدها قدرة على التأثير وتغيير نمط العقلية المجتمعية والسياسية فى المنطقة.
أين ينعزلون وكيف يعيشون هدوء التفكير وسط هذه الضوضاء الصاخبة.. أم أنها الفوضى الخلاقة؟
العواصم الفكرية فى العالم العربى متعبة من أشياء كثيرة: من السياسة.
من التعصب الطائفى. من الحركات الدينية المختلفة..
كله يوضحه ويشرحه الشارع والمرور.
تماما مثل مرور مدينة صقلية التى أنهكتها المافيا.
هل سيقتنع الرائى للوهلة الأولى أن هؤلاء المتزاحمين دون نظام ودون إيمان بمبدأ ثقافة احترام القانون.. هؤلاء هم المتكبدون عناء رسم أهم الأسس والقوانين.. هؤلاء المهملون لأنظمة سيرهم الخاصة هم أكثر المولعين بالكتابة عن الأنظمة السياسية ومطالبتها بمبادئ ودساتير تحترم الإنسان، وقوانين تمنحه الرقى والتقدم؟!
أول مرة زرت بها بيروت مثل أول زيارة لى للقاهرة.
اندهاش مرير.
وفيما أشتكى لصديق عن تفاجئى بهذه المدن الرموز، ابتسم وقال: هى كذا القاهرة تاخديها زى ما هى وما تتأففى..
لكن انظر حولك.. كل شىء غير مفهوم
يمكن إنت الوحيدة اللى مو فاهمة
كنت أتأفف وأنا آتية من المدينة الخليجية حيث أعيش وحيث وسائل الراحة والرفاهية اللامحدودة والقوانين الصارمة والضبط والربط فى الشارع العام وقائمة من المواد تجرم التحرشات وتوقع لأجلها أقسى العقوبات والكثير من العناية بكل صغيرة وكبيرة.
وبعد عدد من الزيارات لعواصم الفوضى(كما كنت أسميها) أجوبها وأبحث عن أسرار جاذبيتها للمفكرين دون محاولة الحكم على البلد من خلال المظهر العام كما اعتدت دائماً، اتضحت أمامى صورة جديدة عرفتها وتأكدت منها بالأمس حين رجعت من بيروت، لأول مرة أتأفف هنا. ما هذا الملل؟ وما كل هذه الرتابة؟
أعترف بأنى فى عواصم الفوضى وجدت شيئاً كان ينقصنى: روح المكان.
عواصم الفوضى تغيرت عن زمان.
اختلفت عما كتب عنها قديماً.
كل شىء فيها تغير لكن بها روح لم تمت بعد.
حية مولعة بالحياة رغم الضوضاء والأزمات هنا.
ناطحات السحاب أحياناً تغدو مؤلمة.
تشعرك أنك متناهى الصغر، الشوارع الفسيحة بعض الأحيان تبدو موحشة.
صحيح أن المدن الحديثة جداً متميزة بكل شىء خاصة بخدماتها وأنظمتها.
لكنها لاتزال خالية من الروح، تفتقد مقومات الإنسانية الطبيعية.
تريد صناعة إنسان جديد بمواصفات حديثة تفصّله على مقياس تقنياتها العصرية.
ليست كالمدن الأخرى التى فصلها الإنسان فصارت أركانها تنطق بقصص وحكايات عريقة.
إنسان المدينة الحديثة يصبح جافا مع الوقت، فكل من حوله يحكى عن المال والأعمال.
مدينته تقيم مسابقات فى ارتفاع المعمار، وقياس نسب النمو يحسب بالحجر لا البشر.
طبيعى أن يتحول لجزء من هذه الحياة الأسمنتية.
يصبح خشناً مثل مدينته الخشنة الراقية.
ليس بها محل شعبى شهير يبيع الطعمية.
هناك مطاعم الخمس نجوم فقط، ولا تجد عاشقين يتناولان المكسرات على ضفة نهر أو يتنزهان داخل حديقة، فى الأصل لا مجال للحب هنا بل لمضيعة الأوقات فى علاقات فارغة كفراغ علاقات لاس فيجاس.
ليس هناك مقاهٍ للشعراء والأدباء والكتاب، هناك مقاهٍ للشيشة كل الأحاديث بها عن الدولارات.
لا تسمع مطلقاً عن مظاهرات طلابية أو أى حديث سياسى صاخب.
الكل يدور فى فلك الأسهم والعقارات.. حسناً، أجد بعض الشوارع العربية تعانى الفوضى لكنها مطمئنة أكثر من شوارع ساكنة ليست بها معالم لأى غضب أو فرح أو سعادة أو حزن، الهدوء والصمت الخانق خلقا لمن قرروا التقاعد من الحياة وحتى تظهر المدينة العربية الحلم، بروحها وحضارتها ورقى بناها التحتية والفوقية أيضاً، أعتقد أنه يمكننى تجاوز متاعب بعض المدن كأزمة المرور مثلاً أو الفوضى العارمة بالمؤسسات المختلفة مقابل التعاطى مع جمالية الحياة التى تشعرك أنك لا تزال حيا ترزق لم تندمج مع الأسفلت والأسمنت بعد.
أقله حين أتذكر أن الفوضى ناتجة عن اندماج الإنسان بنفسه.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.