الأنفلونزا الملعونة.. هاجمتنى بغدرها المعروف فارتفعت درجة حرارتى إلى حد، قلب الحياة فى عينى.. لا أعرف متى كنت أنام.. ولا متى أصحو.. اللطيف أن كل من حولى يشفقون على حالتى، ويسألنى الجميع إيه حكاية «فؤادة وعتريس» اللى وإنت نايم بتتكلم عنهم؟ المثير إنه فى صحوى كان شريط فيلم «شىء من الخوف» يدور أمامى، ليكمل المشاهد والأحداث التى كنت أحلم بها.. لم تفارقنى ابتسامة بلهاء.. لأن «عتريس».. الجبار.. الدكتاتور.. المفترى.. المتسلط.. الغبى.. عاش فى حصن القوة الغاشمة، يختال برجاله من حوله فى حله وترحاله.. اعتقد أنه يملك «الدهاشنة» وما عليها من حجر وبشر، فعاث فى الأرض فسادا!! لم ير جرائمه.. اعتقد أنه مرادف للعدل.. تصور أنه عنوان للنجاح.. عاش على أنه مبعوث العناية الإلهية.. يرفض تصديق أى كلمة حق.. يسخر من المؤمنين والجادين والمخلصين.. فالقوة تحميه وخلفه صاحب الكلمة العليا فى «الدهاشنة»!! «شىء من الخوف» كان صرخة فى لحظة صمتت فيها الأمة.. صاغها المبدع «ثروت أباظة» لتبقى أهم أعماله – تقريبا – وبقيت صورة «فؤادة» الجميلة.. الشامخة.. الضعيفة بكل ما تملك من جبروت تاريخ وطنها.. لم تشعر «فؤادة» أنها وحدها فى مواجهة الطغيان.. رفضت أن يغتصبها بقسيمة زواج، اعتقد أنها شرعية !! وفرضت عليه البؤس والشقاء.. فكانت عنوانا للقدرة على تحدى أولئك من «قصار القامة».. الذين يتصورون أنهم بعقيدتهم الباطشة، يحتكرون الحكمة.. حركت «فؤادة» ضمير الأغلبية.. تحملت سخرية الدكتاتور.. الغبى.. الجاهل.. المتكبر.. العنيد.. وتمسكت بإيمانها بأن «قلة منحرفة» حسب رؤية «عتريس» يمكنها أن تفضح الأكاذيب والأوهام أمام أهالى القرية.. ولتبقى الحكاية فى ذاكرة أمة تحتاج فقط إلى أن تصيبنا الأنفلونزا، لِنُحَلِّق فى عالم التخاريف فنرى الحقيقة الناصعة. كنت أتمنى ألا أشفى من الأنفلونزا.. لأواصل استمتاعى فى غفوى وصحوى بتفاصيل «شىء من الخوف» والمواجهة بين «عتريس» القوى.. الجبار.. الغبى.. وتلك الفتاة التى فرضت على الضعفاء أن يتجمعوا ليتحولوا إلى صوت هادر، فحملوا المشاعل وذهبوا لمواجهة الطاغية.. وكان هتافهم الشهير: «جواز عتريس من فؤادة باطل.. باطل.. باطل» بعد عشرات السنوات من الزمن الذى خرجت فيه رواية «شىء من الخوف» عادت تفاصيلها تطل علينا فى مواقع عديدة داخل أرجاء الوطن.. شاهدنا «عتريس» فى المحلة الكبرى يتحدى ويؤكد أن عمال المحلة «قلة منحرفة».. حتى حدث ما شهدناه واحترقت المدينة.. واكتشفنا أنه «كذاب».. وتكرر السيناريو خلف مقر مجلس الوزراء، عندما اعتصم موظفو الضرائب العقارية، واستخفت بهم الحكومة ووزير المالية.. ثم رضخوا وفاوضوا ووافقوا على مطالب صنعتها إرادة «فؤادة» قائدة «القلة المنحرفة» !!.. ويمضى المشهد تلو المشهد أمام نقابة الصيادلة، وانقلب «الديك» إلى «كتكوت»!! وتابعنا ما حدث من المحامين، ليتحول «الديناصور» إلى «نعامة» مفضوحة كانت تدفن رأسها فى الأرض.. ومؤخرا، حدث ما يفزع كل «عتريس» أمام مبنى التليفزيون المصرى.. لكن أى «عتريس» لا يفهم بالأمثلة.. لا يعرف التاريخ.. يؤمن بالقوة، وأن كلمته هى العليا وأنه يحتكر الحقيقة.. وليت كل «عتريس» لا يسخر منا بعد أن تنكسر أوهامه، ويحترم نفسه فيغادر موقعه «المغتصب» رغما عن أنف الأمة والقانون.. فقانونهم هو «الاغتصاب» والمجاهرة بارتكاب الجريمة.. كأننا لا نرى بلاهتهم وسذاجة بطشهم.. راحت على «عتريس» وسطعت شمس «فؤادة» وليتنى ألحق – إذا شفانى الله – بالموكب الذى يؤكد: «جواز عتريس من فؤادة باطل.. باطل.. باطل»!!!