اعتبر الرئيس حسنى مبارك أن الأزمة التى شهدتها المنطقة بسبب الحرب على غزة كشفت محاولة استغلال العدوان الإسرائيلى لفرض واقع جديد على الوضع الفلسطينى والعربى الراهن.. وقال: «واقع جديد تتغير معادلته ويعاد ترتيب أوراقه لصالح قوى إقليمية معروفة ولخدمة أجندتها ومخططاتها، كان الهدف سحب الشرعية من السلطة الفلسطينية ومنحها للفصائل وتكريس الانفصال القائم بين الضفة الغربية وقطاع غزة». وأكد مبارك أن مصر لا تخضع للابتزاز، وقال: «لن أسمح لأحد باستدراجنا إلى خطوات غير محسوبة العواقب، تنساق وراء مخططات قوى إقليمية معروفة وتخدم أهدافها ومصالحها». وأضاف: «إن لمصر جيشاً قوياً قادراً، لن ننجرف إلى من يقامر بأرواح أبنائه إلا دفاعاً عن أرض مصر وسيادتها ومصالحها العليا». وحذر الرئيس مبارك فى كلمة خلال الاحتفال السنوى بعيد الشرطة من الحديث عن مرجعية جديدة للشعب الفلسطينى.. متسائلاً: «لصالح من نهدر الشرعية التاريخية لمنظمة التحرير الفلسطينية؟.. أليس من الأولى العمل على إصلاحها وتفعيلها؟ أو لم تتفق جميع الفصائل على ذلك فى القاهرة عام 2005؟!». وتساءل مبارك: هل كانت مصر بدورها ومواقفها هى المستهدفة منذ بداية العدوان على غزة؟.. هذا التساؤل المشروع تعززه المتابعة المدققة لتسلسل الأحداث قبل العدوان وخلاله وبعد توقفه، لقد ترددت الدعوة لسحب مبادرة السلام العربية على مدار العام الماضى، وعادت لتتردد بقوة خلال العدوان على غزة، وخلال اجتماع «الدوحة» والقمة العربية بالكويت، فهل كان هذا هو القصد من تصعيد الوضع فى غزة؟! وأضاف: بفرض سحب المبادرة أو تجميدها فما هو البديل؟ هل هو مجرد قطع العلاقات وإغلاق السفارات، أم هى الحرب إلى آخر جندى مصرى؟ وهل كان الهدف النهائى هو ابتزاز مصر واستدراجها وتوريطها؟، وقال: المقاومة ليست شعارات تستخف بأرواح الشهداء، وتتاجر بدماء الجرحى ومعاناة المدنيين الأبرياء. وبالنسبة لما روجته إسرائيل عن التهريب والأنفاق على الحدود، وتركيزها على هذا الموضوع بعد عدوانها على غزة، قال مبارك: «إن تهريب البضائع هو نتيجة للحصار، والاتفاق الإسرائيلى الأمريكى لمراقبة تهريب السلاح لا يلزمنا فى شيء.. وكأى دولة مسؤولة قادرون على تأمين حدودنا.. لن نقبل بأى تواجد لمراقبين أجانب على الجانب المصرى من الحدود.. ونتمسك بأن تبتعد أى ترتيبات إسرائيلية دولية عن أرض مصر وسمائها ومياهها الإقليمية. ولفت الرئيس مبارك إلى أن المحرضين على القتال وقفوا مكتوفى الأيدى أمام العدوان على غزة، ولم يحركوا ساكناً واكتفوا بالخطب والشعارات.. وقال: «إن تاريخ عالمنا العربى حافل بأمثلة عديدة لمن علا صوتهم وتضاءلت أفعالهم.. ولن يعرضوا شعوبهم لمعاناة الحروب ومهانة الاحتلال بسياسات غير محسوبة.. وعلينا أن نتذكر كيف استدرجت مصر لحرب وهزيمة 1967، وعلينا ألا ننسى أن المشهد العربى والفلسطينى الراهن هو بعض من تداعيات هذه الحرب وتلك الهزيمة». وتابع: «ستبقى مصر صاحبة الدور الأول والمسؤولية الرئيسية لاعتبارات الجغرافيا والتاريخ والحجم والمكانة.. وستظل أكبر بكثير ممن يحاولون النيل منها.. دون أن يقدموا شيئاً مفيداً للشعب الفلسطينى وقضيته». وأكد الرئيس مبارك أن باب المصالحة العربية الذى شهدته قمة الكويت الاقتصادية رهن بسلامة القصد وصدق النية وتطابق الأقوال والأفعال ومراجعة المواقف والتوجهات من جانب الذين تطاولوا على مصر.. ولايزالون. وأضاف: أن جوهر الصراع يظل القضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة.. ويظل رهنا بقدرة الفصائل على توحيد الصف، وقدرتنا نحن العرب على عدم السماح لإسرائيل بالمراوغة من استحقاقات السلام العادل.. وقدرتنا على وضع القوى الدولية أمام مسؤوليتها فى جهود التوصل إليه.إن العدوان على غزة أدمى قلوبنا جميعاً، وأدى لتعميق مشاعر الغضب والكراهية تجاه إسرائيل.. وقد جاء تحركنا لوقفه واحتواء تداعياته سابقاً لأى تحرك آخر.. كما جاء ملتزماً فى الوقت ذاته بمصالحنا العليا.. بعيداً عن قرارات متسرعة تسعى لشعبية زائفة.. ولا تراعى مصالح الوطن. إن فلسطين فى قلب شعب مصر وضميره ووجدانه.. قدم لها الكثير.. وضحى من أجلها بالكثير من أرواح شهدائه ودماء أبنائه وقوت يومه.. ولولا ما خضناه من حروب متتالية منذ عام 1948 لكان بلدنا وشعبنا اليوم أفضل حالاً بكثير. وأقول بكل الصدق والمصارحة.. إننا سنواصل دعم شعب فلسطين وقضيته بأقصى الجهد.. إلا أن الأولوية سوف تظل لمصر أولاً، وأبداً وفوق كل اعتبار.. فى أمنها ومصالحها ومقدرات شعبها. وقال: إن التحديات والشدائد والأزمات تكشف المعدن الحقيقى للأمم والشعوب، ولقد جاءت مأساة غزة لتؤكد صلابة معدننا ونضج مجتمعنا.. وجاء تفاعل أبناء مصر ثائراً للعدوان عليها، متضامناً مع أهاليها، متصدياً لما يوجه إلينا من إساءات.. واعياً لحقيقة مواقفنا وصدق توجهاتنا. وإننى أعى تماماً أن 80 مليوناً من شعب مصر يتطلعون للعيش الآمن والحياة الكريمة، ويتطلعون لحاضر ومستقبل أفضل لأنفسهم وللأبناء والأحفاد.. يدركون أن أجيالاً متعاقبة من شعبنا قد عانت ويلات الحروب وذاقت مرارتها.. ويعلمون أن الانزلاق لما يهدد السلام، يبدد تطلعهم للنمو والتنمية والمستقبل الأفضل، وإننى متحملاً مسؤوليتى كرئيس للجمهورية سأواصل العمل بأقصى الجهد.. لتحقيق تطلع شعبنا للعيش فى عزة وكرامة وسلام تحميه القوة.. وتطلعه للمزيد من الاستثمارات والمشروعات والنمو والتنمية وفرص العمل.. وللغد الأفضل الذى نسعى إليه.