تولى أوباما الحكم بعد أن جرى فى عهد بوش توسع غير مسبوق فى صلاحيات مؤسسة الرئاسة بل والمؤسسة التنفيذية عموما على حساب المؤسسات الأخرى. فإدارة بوش وصلت إلى الحكم وقد عقد الكثير من رموزها وعلى رأسهم ديك تشينى العزم على التوسع فى صلاحيات الرئاسة والمؤسسة التنفيذية عموما. ثم جاءت أحداث سبتمبر بمثابة هدية على طبق من فضة لهؤلاء، إذ يسهل كثيرا تحقيق مثل ذلك المخطط إذا كان يتم بدعوى «حماية الأمن القومى»، وهو مافعلته بالضبط إدارة بوش التى سعت بشكل منظم للتوسع فى صلاحياتها وتقويض قدرة المؤسستين التشريعية والقضائية على ممارسة الرقابة عليها. وقد استخدمت إدارة بوش فى ذلك فكرة فريدة روجت لها بانتظام وهى أن الرئيس يستطيع من أجل حماية الأمن القومى أن يتخطى القانون وأن يرفض الرقابة التشريعية والقضائية! وهى فكرة لا تقوم فى الواقع على أى أساس دستورى كما قال أساتذة القانون الدستورى الأمريكيون. وقد سعت إدارة بوش بشكل منظم لتوسيع صلاحياتها على حساب المؤسستين الأخريين. فعلى سبيل المثال استخدم بوش مايسمى ببيانات التوقيع على القوانين لمزاحمة المؤسسة التشريعية فى صلاحياتها المحورية المتعلقة بسلطة التشريع. فمن المعروف أن الكونجرس هو الذى يكتب القوانين التى تحتاج فيما بعد لتوقيع الرئيس، ويحق للرئيس التوقيع بالموافقة أو استخدام الفيتو، لكن ليس من حقه وفق الدستور الأمريكى أن يقبل بعض أجزاء القانون ويرفض بعضها الآخر. وقد حاول الجمهوريون من قبل إعطاء الرئيس مثل هذا الحق فأصدروا قانونا بهذا المعنى لكن المحكمة العليا حكمت بعدم دستوريته واعتبرته افتئاتا على حق الكونجرس وحده فى التشريع. أما بوش فقد تفتق ذهنه عن فكرة جديدة لتنفيذ الهدف نفسه وهى استخدام البيان الذى يكتبه الرئيس ويرفق بالتوقيع من أجل الإشارة إلى فقرات القانون التى لا يوافق عليها ولاينوى تنفيذها! وقد استخدم بوش ذلك الأسلوب الفريد فى التوقيع على أكثر من 500 قانون! فصارت مسألة تنفيذ القوانين انتقائية حسب رغبة الرئيس! غير أن أفضل وسيلة للالتفاف حول الرقابة التشريعية والقضائية هى السرية والتعتيم. فكيف لجهة رقابية أن تحقق فى أمر ما إذا كانت لاتعلم أصلا عنه شيئا؟! وقد رفضت إدارة بوش مثلا إعطاء الكونجرس أى معلومات بشأن خطاب الاتحاد الذى ادعى فيه بوش زورا أن العراق حصل على اليورانيوم من النيجر. بل أكثر من ذلك رفضت الإدارة التعاون مع اللجنة التى شكلها الكونجرس لدراسة أحداث 11 سبتمبر الأمر الذى اضطر رئيسى اللجنة لإصدار بيان أعلنا فيه رفضهما لأسلوب الإدارة فى حجب المعلومات عن اللجنة. أما المؤسسة القضائية فقد تخطتها إدارة بوش بالكامل سواء فى مسألة التنصت على الأمريكيين أو فى إنشاء المحاكم العسكرية أو حتى فى إنشاء السجون والمعتقلات السرية حول العالم. تسلم أوباما إذن الرئاسة وهى فى حالة صعود مخيف وتوسع مذهل فى صلاحياتها على نحو ابتلع صلاحيات المؤسسات الأخرى. فهل يستسلم لإغواء السلطة، أم يسعى لتقليص صلاحيات المؤسسة التنفيذية عموما والالتزام بالدستور الأمريكى؟