تلقت إدارة أوباما درسا قاسيا فى أسابيعها الأولى يتعلق بالفارق الهائل بين إدارة حملة انتخابية ممتازة وإدارة دفة الحكم. فمن السهل فى حملة انتخابية أن تحشد الناس وراء الدعوة لنبذ الصراعات الأيديولوجية والحزبية لكن متى وصلت للحكم قد يصعب عليك التنفيذ إذا كان خصومك مصرين على الصراع. ففى الحملة الانتخابية للرئاسة، لم يقدم أوباما نفسه فقط باعتباره المرشح الذى يسعى لتغيير السياسات وإنما تعهد بتغيير جوهر العملية السياسية ذاتها من خلال العمل «العابر للأحزاب والأيديولوجيات». وقد لاقى ذلك التعهد قبولا واسعا خصوصا بين الشباب الذين تاقوا للخلاص من الصراعات السياسية التى طالما حالت دون التوصل لعلاج للمشكلات الكبرى. وما إن تولى أوباما الرئاسة حتى سعى فعلا للاقتراب من خصومه وفتح قنوات للعمل المشترك، فاختار ثلاثة من الجمهوريين لمناصب وزارية وذهب بنفسه للقاء قيادات الحزب الجمهورى فى الكونجرس وقام بتعديل مشروع قانون إنعاش الاقتصاد – وهو أول مقترحاته التشريعية - فأدخل عليه بنودا طلبها الجمهوريون وحذف أخرى اعترضوا عليها رغم تذمر قوى مهمة فى حزبه. لكن الواضح أن الحزب الجمهورى يتبع استراتيجية تسعى للتمترس الأيديولوجى والتكتل الحزبى بهدف الحد من الإنجازات التى يمكن أن يحققها أوباما الأمر الذى يخصم من رصيده السياسى ورصيد حزبه فيفتح الباب أمام فرص الجمهوريون من جديد بعد أن طردهم الناخبون من البيت الأبيض ومن مقاعد الأغلبية فى الكونجرس بمجلسيه. وعلى ذلك باءت كل محاولات أوباما بالفشل فمر مشروع قانون إنعاش الاقتصاد فى مجلس النواب دون صوت جمهورى واحد أى بأصوات الديمقراطيين وحدهم، وحظى بتأييد ثلاثة جمهوريين فقط فى مجلس الشيوخ. غير أن الأهم مما فعله الجمهوريون فى الكونجرس هو ما قامت به قوى اليمين عموما خارجه. فقد أدارت تلك القوى حملة إعلامية منظمة ضد مشروع القانون نجحت فعلا فى زعزعة الثقة الشعبية فى جدواه، الأمر الذى هدد بفشل محقق، فاضطر أوباما أن يدلى بنفسه بسلسلة من الأحاديث لعدد من المحطات التليفزيونية ثم انتهى به الأمر لأن يكتب مقالا باسمه فى الواشنطن بوست يدافع فيه عن المشروع ويهاجم الجمهوريين. والاستراتيجية التى يتبعها الجمهوريون اليوم من مواقع الأقلية ليست جديدة إذ سبق أن استخدموها ضد كلينتون بعد توليه فى 1993 واستطاعوا بموجبها تعطيل مشروعات الرئيس والخصم من رصيده هو وحزبه فانهارت شعبيتهما وانتهى الأمر فعلا بطرد الديمقراطيين من مقاعد الأغلبية فى أول انتخابات تالية. لكن يبدو أن الجمهوريين عازمون هذه المرة على معركة أكثر شراسة. فرغم أن العادة جرت على أن تمتنع رموز الإدارة الراحلة على الأقل لمدة عام عن انتقاد الإدارة الجديدة، فإن تشينى وآخرين ممن عملوا مع بوش قاموا - فى خطوة غير مسبوقة - بشن هجوم شديد على إدارة أوباما قبل أن يمر على توليها أسابيع ثلاثة! ورغم أن إدارة أوباما - بالمقارنة بكلينتون فى 1993 - انتبهت سريعا لخطورة مايحدث وراحت فورا تشن حملة إعلامية مضادة لاستعادة ثقة الرأى العام، إلا أن نجاحها فى مواجهة مخطط الجمهوريين يظل سؤالا مفتوحا على كل الاحتمالات، لأن المسألة عرضة لتدخل عوامل بل أحداث داخلية وخارجية ليس بإمكان الإدارة السيطرة عليها.