بلا شك فإن للهجمة الإجرامية الباغية على أهل غزة من الشعب الفلسطينى المظلوم والمكلوم وجهاً إيجابياً فى رأيى الخاص.. وهو أن هذا العدوان المجرم قد رفع الغطاء عن الكثير مما كان مستوراً، وكشف حقيقة نظم وأحزاب وجماعات وحتى أفراد ظهرت وجوههم الحقيقية فى ضوء لهيب النار المشتعل هناك.. تبين الآن الخيط الأبيض من الخيط الأسود.. من لديه إحساس وشعور بأن العربى إنسان، مثله مثل أى إنسان على هذه الأرض من حقه العيش فى حرية وبكرامة.. ومن يشعر بأنه حثالة يجب أن يرضى بما يمن سادته عليه، ولا تفرق معه كثيراً أن يعيش تحت الوصاية والإذلال!! لقد حملت الأنباء الأسبوع الماضى تعليقاً للسيدة ليفنى، وزيرة الخارجية الإسرائيلية، عند سؤالها عن فرص الوصول إلى اتفاق مع حركة حماس يُوقف نزيف دم الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، فقالت بكلمات واضحة لا لبس فيها إنهم فى إسرائيل لا يسعون إلى «اتفاق» مع حماس، ولكن المطلوب هو «إخضاعهم»!! هكذا قالت أمام جميع وسائل الإعلام العالمية، وهكذا أظهرت دون مواربة أو كلمات ملتوية حقيقة القضية وجوهرها.. ولا يخالجنى شك أنها بكلماتها هذه كانت تقصد توجيه رسالة واضحة إلى جميع هؤلاء القوم الضعفاء، الذين يحيطون بهذا الكيان العنصرى البغيض.. رسالة إلى كل هؤلاء الذين يتمسكون باتفاقيات ومبادرات على مدى عقود طويلة، كان آخرها ما يسمى المبادرة العربية التى ترمى فى النهاية إلى «اتفاق» سلام معهم، فلم يلتفت إليها أحد فى الكيان الصهيونى. إنهم لا يهتمون ولا يسعون إلى مثل هذه الاتفاقيات.. إنهم يا سادة يريدون خضوعاً كاملاً لقوتهم وجبروتهم وطغيانهم، ومن يرفض أو يقاوم فعليه أن يدفع الثمن مرة ومرات. الغريب أن الرسالة وصلت بأسرع ما تكون إلى رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية الذى يرضى عنه اليهود، فقال على الملأ -لا فض الله فاه- إنه إذا كانت المقاومة ستهلك الشعب فلا نريدها!! المؤسف حقاً أن تجد السيدة ليفنى ومن حولها من مجرمى الحرب وأحفاد رجال العصابات فى تصريحات العديد من المسؤولين من حكام العرب وفى توجهات رجال إعلامهم ومنافقيهم وموالسيهم فى شتى وسائل الإعلام ما يشجعهم على اتخاذ هذا النهج المتشدد والمذل لهؤلاء العرب الغارقين حتى آذانهم فى بحور الاستبداد والفساد.. فها هم يعلنون خضوعهم واستسلامهم ليل نهار، ويسألون باستنكار شديد كل من يطالبهم بفعل شىء له قيمة ويبقى على بعض من العزة والكرامة التى تليق بالشعوب الحية: «وهل تريدوننا أن نحارب؟!» الرسالة التى ترسلها إسرائيل اليوم إلى فصائل المقاومة الوحيدة الباقية على الأرض العربية، وصلت منذ زمن بعيد إلى طوائف عدة فى المجتمع المصرى والعربى، وأصبحت الدونية والانهزامية والانكفاء على ذواتهم وشهواتهم صفات العديد منهم، خاصة أولئك الذين يتمتعون بمغانم السلطة المطلقة الفاسدة وامتيازاتها!! لقد شهدت ببرنامج «القاهرة اليوم» على قناة «أوربت» منذ عدة أيام لقاء جمع فيه عمرو أديب مجموعة من المواطنين المصريين قدمهم على أنهم يمثلون شرائح مختلفة من المجتمع المصرى، وعلى أنهم يمثلون نموذجاً لما يسمى «الرأى العام» فى الشارع المصرى.. ولضيق المساحة فلن أعلق على الكثير مما ظهر فى هذا اللقاء من جهل ومعلومات مغلوطة وأفكار مسمومة وادعاءات محمومة سعد بها «المحاور» المغوار الذى شارك عمرو أديب إدارة الجلسة، ولكنى فقط سأعلق على جملة قالها أحد هؤلاء المواطنين، لا أذكر اسمه، قدم نفسه على أنه رجل أعمال، وأثنى «المحاور» الهمام على أناقته ورابطة عنقه والمنديل الذى يتدلى من جيب جاكتته - قال أكثر من مرة بلهجة عتاب لمن ينطقون لفظ «المقاومة»: «لماذا نواجه هؤلاء الناس ونلقى بأيدينا إلى التهلكة.. رحم الله امرأً عرف قدر نفسه»!! يا الله.. كيف وصل حال الكثير منا إلى هذه الدرجة من الشعور بالخيبة والضعف والدونية! الحمد لله أن أمثال هذا الفكر لم يكن له وجود أثناء الحقبة الناصرية، حتى فى أحلك أيام الهزيمة وبعد شهور قليلة منها رددنا جميعاً مع الزعيم الخالد: «ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة»، وهو ما كان بالفعل بعد سنوات الصمود والتصدى فى أكتوبر المجيد.. ويا أخى رجل الأعمال المتأنق.. لا رحم الله امرأً هانت عليه كرامته وعزة نفسه!